للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا حرج عليك إذا قلت: أمر يؤثر في أمر آخر لأنك هنا متكلم على المعنى اللغوي، ولأنا لا نعنى بالتأثير الاختراع بل ما عنه عادة الأثر بلا تخلف.

وذكر النحاة ما يؤخذ منه أنهم يفرقون بينهما حيث ذكروا أن اللام للتعليل، ولم يقولوا للسببية، وقال أكثرهم: الباء للسببية ولم يقولوا للتعليل، [وهذا تصريح بأنهما غيران] ١.

وقال ابن مالك: الباء للسببية والتعليل، ومثل للسببية بقوله تعالى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} ٢ وللعلة بقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا} ٣.

وذكروا أيضًا الاستعانة، ومعنى الاستعانة غير معنى السب والعلة.

فإن قلت: اكتشف لي الغطاء عن ذلك، لينفع في فهم ما أنت بصدده.

قلت: الباء الداخلة على الاسم، الذي لوجوده أثر في وجود متعلقها- ثلاثة أقسام. باء الاستعانة، وباء السبب. وباء العلة.

وذلك لأنها إن صح نسبة العامل إلى مصحوبها مجازًا فهي باء الاستعانة، نحو كتبت بالقلم، وتعرف أيضًا بأنها الداخلة على أسماء الآلات.

وإلا فإن كان المعلق إنما وجد لأجل وجود مجرورها فهي باء العلة نحو "فبظلم" ألا ترى أن وجود التحريم ليس إلا لوجود الظلم وتعرف بأنها الصالحة غالبًا. لحلول اللام محلها.

وذكر غالبًا ليخرج نحو غضبت له، وغضب له. وإلا يكن المتعلق كذلك فهي باء السببية نحو {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} ألا ترى أن إخراج الثمرات مسبب عن وجود الماء ولم يكن لأجل الماء بل لأجل مصلحة العباد.

وبهذا التقسيم علمت أن باء الاستعانة لا تصح في الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى؛ فهذا منتهى قول الناقلين عن العرب.


١ وفي "ب" قال ابن مالك: الباء للسببية والتعليل وهذا تصريح بأنهما غيران.
٢ إبراهيم "٣٢".
٣ النساء "٦٠".