كذلك لأن التعليل بالمبهمة فيما قدماه، هو في مبهمة بين شيئين. قال قائل باجتماعهما وتأثيرهما، وقائل بتأثير المجموع منهما، إلى غير ذلك مما قدمناه، وليس كلامنا هنا فيه، بل في وصفين أجمع على انتفاء أحدهما ولم يعلم عينه؛ فهل يضر ذلك ويبطل الحكم للجهل بالمأخذ. أو لا؛ لأن مثل هذا الجهل لا يضر، إذ كل منهما كافية في إقامة الحكم؟
هذا موضع تردد، وهذا يشهب القياس المركب، فإن المختلفين من الأئمة من مأخذ إذا اجتمعت في صورة أجمعوا على حكمها -وإن أسند كل الحكم إلى ما يعتقده، كما نقول: أجمع الإمامان على أن البكر الصغيرة تجبر؛ فالشافعي لبكارتها، وأبو حنيفة لصغرها، ولكن القياس المركب لا خلاف فيه بين الفقهاء، وهذا فيه تردد تلقفناه من مسائل.
منها: لو اشترى زوجته بشرط الخيار فهل له وطؤها في مدة الخيار لأنها لا تخرج عن كونها منكوحة أو مملوكة أولًا: لأنه لا يدري بأي الأمرين يطأ؟ فيه وجهان: المنصوص منهما الثاني.
ومنها: لو أقر بحرية بعده في يد غيره زاعمًا أن ذلك الغير أعتقه ثم اشتراه ومات العبد، وقد ترك مالًا وأولادًا ولا وارث له بغير الولاء والمشتري مصمم على إقراره، فظاهر النص أن المال يوقف فإن ولاءه لا يكون للمشتري لاعترافه بأنه لم يعتقه ولا للبائع لزعمه أنه رقيق، وعليه جماعة من الأصحاب.
واعترض المزني فقال: للمشتري أخذ قدر الثمن. مما تركه، فإن فضل شيء كان الموقوف هو الفاضل فقط؛ وإنما يأخذ قدر الثمن لأنه مستحق له بكل حال، لأن المشتري إما كاذب، فالميت رقيق وما يتركه فهو ملك مولاه أو صادق فللبائع إرثًا بالولاء وهو قد ظلمه بأخذ الثمن وتعذر استرداده فإذا ظهر بماله كان له أن يأخذ قدر حقه.
وافترق الأصحاب فرقتين:
فرقة خطأت المزني، ومن توجيهاتها أنه لا يردي بأي جهة يأخذ، بجهة الملك أو بجهة الظفر، فمن ثم يمنع من الأخذ إلى ظهور جهته، وفرقة: منها ابن سريج وأكثر مشايخ المذهب قالوا: الأمر كما ذكره المزني.