ومنها: بيع الرطب بالتمر باطل لأن التحريم الثابت بالحديث لا يرتفع إلا عند تحقق شرط الإباحة؛ فمتى لم نعلم وجود الشرط حكمنا بالبطلان وهو غير متحقق الوجود هنا، وقال أبو حنيفة: تصح المساواة في الكيل وهو باطل بيع الحنطة بالدقيق والسويق وبيع الحنطة المقلية بالنية أو المقلية.
ومنها: إذا باع مد عجوة ودرهم بمدي عجوة ونظائرها لا تصح خلافًا لهم.
ومنها: بيع اللحم بالحيوان باطل للجهالة بالمماثلة وهي كبيع السمسم بالدهن وقالوا صحيح.
مأخذ:
لا معنى لانعقاد العقود إلا بثبوت أحكامها التي وضعت لها؛ فإذا انعقد البيع بالإيجاب والقبول لم يكن معناه إلا حصول الملك لأنه سبب منصوب للملك ولا سبيل إلى قطع المسبب عن السبب ما أمكن ولا ضرورة إليه، وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أن الإيجاب والقبول له حكمان:
أحدهما: الانعقاد، وهو مقترن بهما ومعناه لارتباط الحاصل بين الخطاب والجواب.
والثاني: زوال الملك وهو حكم منفصل عن الانعقاد محتجًا بأن الانعقاد في نفسه معقول على تجرده كالهبة قبل القبض فإنها منعقدة ولم يتأثر المحل بها ولا معنى لانعقادها إلا تعلق الإيجاب بالقبول على نهج الخطاب والجواب وانتهاض ذلك سببًا للملك إذا وجد شرطه، قال: وإذا ثبت أنهما حكمان منفصلان فلا يعتبر في الانعقاد إلا أهلية الخطاب والجواب؛ فمتى صدر الإيجاب والقبول من أصلهما وصادفًا محلًا قابلًا لحكمهما ثبت الانعقاد، وأما زوال الملك فينبغي على الولاية على المحل، والضابط عندهم أن كل عقد له مجيز حالة وقوعه ينعقد موقوفًا على إجازته ويخرج على هذا إذا طلق الولي امرأة الصبي موقوفًا على إجارته بعد بلوغه أو طلق الصبي موقوفًا على إجارته بعد البلوغ؛ فإنه لا ينعقد لعدم المجبر حالة العقد؛ إذا عرفت هذا يتبين لك أن البيع سبب إفادة الملك بالإجماع، أما عندنا فواضح وأما عندهم فلأنهم لا ينكرون سببيته بل يقولون هو سبب لملك متراخ لا لملك ناجز والناجز الانعقاد فقط ومن ثم قال الغزالي في الوسيط أجمعت الأمة على كونه يعني البيع لإفادة الملك وهو من عقد الوسيط التي ذهل عنها كثيرون وقالوا كيف قال سببًا لإفادة الملك ولم يقل مفيدًا للملك ثم أجاب منهم مجيبون بأنه احترز عن البيع في مدة الخيار؛ فإن الملك لا ينتقل إلا بانقضاء الخيار