للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذا حرر الشيخ الإمام وقال: المعنى في قصد اللفظ ليفيد المعنى ليس مقصود ابتداء، وفي كونه مقصودا بالتبع والاستلزام نظر، وهذا بخلاف المعنى إذا قصد الابتداء.

رأيت في كلام الإمام "في النهاية" في باب لغو اليمين ما يزيد هذا التقرير.

ومنها: قول النووي في "المنهاج" في الوقف: تصدقت فقط ليس بصريح؛ إلا أن نوى أن يضيف إلى جهة عامة وينوي؛ فإنه كالتصريح في أنه عند الإضافة إلى جهة عامة صريح بشرط النية، وهذا يجب تأويله؛ فلا صريح يحتاج إلى النية وقد تكلمنا عليه في كتاب التوشيح.

ومنها: المكره على الطلاق إذا قصد الإيقاع فالأصح يقع، وعلى هذا قد يقال: صارت نيته شرطا في عمل اللفظ الصريح عمله.

وجواب هذا أن اللفظ في هذه الحالة غير صريح، ومن ثم قيل: صريح لفظ الطلاق عند الإكراه كناية.

وأنا أقول قصد الإيقاع ينافي مجيء اللفظ على وجه الإكراه فعمل اللفظ عمله غير متأثر بالنية، والنية لم تفد إلا خروجه عن كونه صدر بإكراه.

ومنها: وهو أغربها ما رأيته في البحر للروياني في كتاب الظهار نقلا عن مختصر البويطي أن الشافعي -رحمه الله- ذكر فيه أنه قيل: إن من صرح بالطلاق أن الظهار أو العتق ولم تكن له نية لا يلزمه فيما بينه وبين الله طلاق ولا ظهار ولا عتق. وأن مالكا خالف في ذلك، وأن الشافعي لم يعترض على شيء من القولين، وأن الظاهر أنه قصد تخريجه على قولين، قال الروياني: وهذا غريب حكاه القاضي الطبري.

قلت: لا شك في غرابة القول باشتراط النية في الصريح، وبتقدير ثبوته فالمراد كما صرح به الروياني اشتراطها للوقوع في نفس الأمر فيما بين العبد وربه أما في الحكم فيقع جزما.

فتم قولنا: الصريح لا يحتاج إلى نية ولم ترد هذه الصور نقدا لأنا إنما نتكلم في الحكم لا في نفس الأمر، وهذا بتقدير صحة هذا القول، والصحيح المعروف خلافه، وأن الله تعالى ربط هذه الأحكام بهذه الألفاظ إذا صدرت عن قصد من معتبر الكلام.