للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنه انتخبه لقضاء حاجة له ولم يؤهل غيره لها، وتخلص منها إلى الغزل بما تستجلي منه عرائس البيان، ويظهر به الافتنان وهي:

دعوتك لما أن بدت لي حاجة ... وقلت رئيس مثله قد تفضلا

لعلك للفضل الذي أنت ربه ... تغار فلا ترضى بأن تتبدلا١

إذا لم يكن إلا تحمل مِنَّة ... فمنك وأما من سواك فلا ولا٢

حملت زمانًا عنكم كل كلفة ... وخففت حتى آن لي أن أثقلا

ومن مذهبي المشهور مذ كنت أنني ... لغير حبيب قط لن أتذللا

وقد عشت دهرًا ما شكوت لحادث ... بلى كنت أشكو الأغيد المتدللا٣

وما هِمت إلا للصبابة والهوى ... ولا خفت إلا سطوة الهجر والقلا٤

أروح وأخلاقي تذوب حلاوة ... وأغدو وأعطافي تسيل تغرلا٥

وقد طال الشرح، ولكن رأيت الافتنان نوعًا غريبًا، فطلبت بالكثرة زيادة إيضاحه، ليستضيء المتأمل في ظلمات الأشكار بنور مصباحه.

وبيت الشيخ صفي الدين:

ما كنت قبل ظبا الألحاظ قط أرى ... سيفًا أراق دمي إلا على قدم

كان المطلوب من الشيخ صفي الدين، في هذا النوع، غير هذا النظم مع عدم تكلفه بتسمية النوع، وأما العميان فإنهم لم ينظموا هذا أيضًا في بديعيتهم، وبيت الشيخ عز الدين:

كان افتناني بثغر راق مبسمه ... صار افتناني بثغر فيه سفك دمي

وبيت بديعيتي:

تغزلي وافتناني في شمائلهم ... أضحى رثا لاصطباري بعد بعدهم

والجمع في افتنان هذا البيت، بين النسيب الخالص والتعزية، وكل من الشطرين مستقل بمعناه، هو جمع غريب، والكناية عن موت الصبر بأن التغزل أضحى رثاء له من ألطف الكنايات، ويؤيد ذلك قولي: بعد بعدهم.


١ ربه: صاحبه - تغار: من الغيرة.
٢ منة: جميل.
٣ الأغيد: الذي يتمايل في مشيته ويتلوى.
٤ القلا: الكره والبغض مع الهجر.
٥ الأعطاف: مفردها عطف وهو من كل شيء جانبه، تغرُّلا: استرخاء وليونة.

<<  <  ج: ص:  >  >>