للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا ... من قبله فتمنى فسحة الأجل

وإن علاني من دوني فلا عجب ... لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

فاصبر لها غير محتال ولا ضجر ... في حادث الدهر ما يغني عن الحيل١

أعدى عدوك أدنى من وثقت به ... فحاذر الناس واصحبهم على دخل٢

وإنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على رجل٣

يا واردا سؤر عيش كله كدر ... أنفقت صفوك في أيامك الأول٤

فيم اقتحامك لج البحر تركبه ... وأنت تكفيك منه مصة الوشل٥

ملك القناعة لا يخشى عليه ولا ... يحتاج فيه إلى الأنصار والخول٦

ترجو البقاء بدار لا بقاء لها ... فهل سمعت بظل غير منتقل

ويا أمينا على الأسرار مطلعا ... اصمت ففي الصمت منجاة من الزلل٧

وممن سار في مجرى هذه القصيدة ووزنها، أبو الطيب المتنبي في قصيدته التي أولها:

أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل ... دعا فلباه قبل الركب والإبل٨

وما صبابة مشتاق على أمل ... من اللقاء كمشتاق بلا أمل

والهجر أقتل لي مما أراقبه ... أنا الغريق فما خوفي من البلل

قد ذقت شدة أيامي ولذتها ... فما حصلت على صاب ولا عسل٩

خذ ما تراه ودع شيئًا سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

انظر إلى محاسن هذين الفحلين إلى الغاية التي تمثلا بها في الشمس وزحل، وتأخر سوابق الأفهام عن معرفة السابق منهما إلى الغاية، ومنها قوله:

وقد وجدت مكان القول ذا سعة ... وإن وجدت لسانًا قائلًا فقل

لعل عتبك محمود عواقبه ... فربما صحت الأجسام بالعلل


١ حادث: جديد
٢ الدخل: الحذر. ومداخلة الشك.
٣ يعول: يتكل.
٤ السؤر: البقية الباقية من الشيء.
٥ الوشل: الماء القليل.
٦ الخول: الإماء والعبيد.
٧ الزلل: الخطأ.
٨ الطلل: الأثر.
٩ الصاب: شراب مرٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>