للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد علمت واللبيب يعلم ... بالطبع لا يرحم من لا يرحم١

فالمرء لا يدري متى يمتحن ... فإنه في دهره مرتهن

وإن نجا اليوم فما ينجو غدا ... لا يأمن الآفات إلا ذو الردى

لا تغترر بالحفظ والسلامه ... فإنما الحياة كالمدامه

والعمر مثل الكاس والدهر القذر ... والصفو لا بدّ له من الكدر

انظر أيها المتأمل كيف اتبعت قوله: فإنما الحياة كالمدامه، بقوله: فالعمر مثل الكاس. وإذا نظرت إلى آخر البيت رأيت الاتفاق العجيب، منها:

وكل إنسان فلا بد له ... من صاحب يحمل ما أثقله

جهد البلاء صحبة الأضداد ... فإنها كي على الفؤاد٢

أعظم ما يلقى الفتى من جهد ... أن يبتلى في جنسه بالضد

فإنما الرجال بالإخوان ... واليد بالساعد والبنان

لا يحقر الصحبة إلا جاهل ... أو مارق عن الرشاد غافل٣

صحبة يوم نسب قريب ... وذمة يحفظه اللبيب

وموجب الصداقة المساعده ... ومقتضى المودة المعاضده

لاسيما في النوب الشدائد ... والمحن العظيمة الأوابد٤

فالمرء يحيى أبدا أخاه ... وهو إذا ما عد من أعداه

وإن من عاشر قوما يوما ... ينصرهم ولا يخاف لوما

وإن من حارب من لا يقوى ... لحربه جر إليه البلوى

فحارب الأكفاء والأقرانا ... فالمرء لا يحارب السلطانا

واقنع إذا حاربت بالسلامه ... واحذر فعالا توجب الندامة

فالتاجر الكيس في التجاره ... من خاف في متجره الخساره٥

يجهد في تحصيل رأس ماله ... ثم يروم الربح باحتياله

وإن رأيت النصر قد لاح لكا ... فلا تقصر واحترز أن تهلكا

واسبق إلى الأجود سبق الناقد ... فسبقك الخصم من المكايد٦


١ اللبيب: الذكي الماهر.
٢ كي: لذع.
٣ المارق: الخارج، الرشاد: الهدى.
٤ الأوابد: العظيمة. النوب: المصائب.
٥ الكيس: اللبق الماهر.
٦ الناقد: الذي يحسن التميز بين الجيد والرديء، المكايد: مفردها مكيدة وهي الحيلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>