للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومطلق أرزاق عفاته١ المتواترة، وأنملة الهدى المشيرة إلى ذخائر الدنيا والآخرة، به رقم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- التي تهذب الخواطر الخواطل٢، فبينه وبين من يفاخره الكتاب والسنة، وحسبه ما جرى على يده الكريمة من منه، وفي مراضي الدول عونة للشائدين، ويعين الله في ليالي النفس تقلب وجهه في الساجدين. إن نظمت فرائد العلوم فإنما هو سلكها، وإن علت أسرة الكتب فإنما هو ملكها، وإن رقمت برود البيان فإنما هو جلالها، وإن تشعبت فنون الحكم فإنما هو أمانها ومآلها، وإذا انقسمت أمور الممالك فإنما هو عصمتها وثمالها، وإن اجتمعت رعايا الصنائع فإنما هو إمامها المتلفع بسواده، وإن زخرت بحار الأفكار فإنما هو المستخرج دررها من ظلمات مداده، وإن وعد أوفى بجنب النفع، وإن أوعد أخاف كأنما يستمد من النقع٣.

هذا وهو لسان الملوك المخاطب، ورسيلها لأبكار الفتوح والخاطب، والمنفق في تعمير دولها ومحصول أنفاسه، والمتحمل أمورها الشاقة على عينه وراسه، والمتيقظ لجهاد أعدائها والسيف في جفنه نائم، والمجهز لبأسها وكرمها جيشي الحروب والمكارم، والجاري بما أمر الله من العد والإحسان، والمسود الناصر فكأنما هو لعين الدهر إنسان، طالما ذب عن حرمها فشد الله أزره، ورفع ذكره، وقام في المحامات عن دينها أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره، وقاتل على البعد والصوارم في القرب، وأوتي من معجزات النبوة نوعًا من النصر بالرعب، وبعث جحافل السطور فالقسي دالات، والرماح ألفات، واللامات لامات، والهمزات كواسر الطير التي تتبع الجحافل، والأتربة عجاجها المحمر من دم الكلى والمفاصل، فهو صاحب فضيلتي العلم والعلم، وساحب ذيلي الفخار في الحرب والسلم، لا يعاديه إلا من سفه نفسه، ولبس لبسه وطبع على قلبه، وفل الجدال من غربه٤، وخرج في وزن المعارضة عن ضربه. وكيف يعادي من إذا كرع في نفسه٥ قيل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ٦، وإذا ذكر شانئه٧ السيف قيل:


١ العفات: العطايا.
٢ الخواطل: الضالة.
٣ النقع: المستنقع، أو السم الناقع وهو القاتل البالغ. والغبار الكثيف في الجو.
٤ غرب الشيء: حدّه.
٥ كرع: مد عنقه وشرب الماء بفمه دون واسطة، النفس: المداد الذي يكتب به وإناؤه.
٦ الكوثر، ١٠٨/ ١ والكوثر: فسره بعضهم بنهر في الجنة، ورأى آخرون أن الكوثر كثرة الذرية وهذا هو الأصح على ما نرى للقرينة الدالة عليه وهو قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} أي الذي لا عقب له ولا ذرية.
٧ الشانئ: المبغض، الكاره.

<<  <  ج: ص:  >  >>