للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتأمل وصفي إذا {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} ١ وافهم قول ابن الرومي:

إن يخدم القلم السيف الذي خضعت ... له الرقاب ودانت خوفه الأمم

فالموت والموت لا شيء يعادله ... ما زال يتبع ما يجري به القلم

بذا قضى الله في الأقلام إذ بريت ... إن السيوف لها مذ أرهفت خدم

فعند ذلك وثب السيف على قده، وكاد الغضب يخرجه عن حده، وقال أيها المتطاول على قصره، والماشي على طريق غرره، والمتعرض مني إلى الدمار، والمتحرش بي فهو كما تقول العامة: ذنبه قش ويحترس بالنار، لقد شمرت عن ساقك حتى أغرقتك الغمرات، وأتعبت نفسك فيما لا تدرك إلى أن أذهبها التعب حسرات، أولست الذي طالما أرعش السيف للهيبة عطفك، ونكس للخدمة رأسك وطرفك، وأمر بعض رعيته وهو السكين فقطع قفاك وشق أنفك، ورفعك في مهمات خاملة وحطك وجذبك للاستعمال وقطك٢، فليت شعري كيف جسرت، وعبست على مثلي وبسرت٣، وأنت السوقة وأنا الملك، وأنا الصادق وأنت المؤتفك٤، وأنت لصون الحطام وأنا لصون الممالك، وأنت لحفظ المزارع وأنا لحفظ المسالك، وأنت للفلاحة وأنا للفلاح، وأنت حاطب الليل من نفسه٥ وأنا ساري الصباح، وأنا الباصر وأنت الأرمد، وأنا المخدوم. الأبيض. وأنت الخادم الأسود، وأقسم بمن صير في قبضتي أنواع اليمن المسخرة، وجعل شخصك وشخصي كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} ٦ إنك عن بلوغ قدري لأذل رتبة، وعن بري كفي لأخيب طلبة، فإني لا أنكر قول بعض أربابك، حيث قالوا:

أف لرزق الكتبه ... أف له ما أصعبه

يرتشف الرزق به ... من شق تلك القصبة

يا قلمًا يرف في الطـ ... ـرس لوجهي ذنبه

ما أعرف المسكين إلا ... كاتبًا ذا متربه٧


١ ق، ٥٠/ ٢٢.
٢ قطك: بتشديد الطاء: براك.
٣ المؤتفك: الكاذب.
٤ بسر: قطب حاجبيه.
٥ حاطب الليل: مدلهم الليل، والنفس: المداد وأداته.
٦ الإسراء، ١٧/ ١٢.
٧ المتربة: الحاجة والفقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>