للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجع إلى خداعه وتنحى عن طريق قِراعه١، وعلم أن الدهر دهره، والقدر على حكم الوقت قدره، وأنه أحق بقول القائل:

لحنها معرب وأعجب من ذا ... أن إعراب غيرها ملحون٢

فالتفت إليه وقال: أيها المتلهب في قدحه٣، والخارج عما نسب إليه من صفحه، ما هذه الزيادة في السباب، والتطفيف في كيل الجواب، وأين علم الشيوخ عند جهل الشباب، أما كان الأحسن بك أن تترك هذا الرفث٤، وتعلم٥ أخاك على الشعث٦ وتحلم كما زعمت أنك السيد، وتزكو على الغيظ كما يزكو على النار الجيد، أما تعلم أني معينك في تشييد الممالك، ورفيقك فيما تسلكه لنفعها من المسالك، أما أنا وأنت للملك كاليدين، وفي تشييده كالركنين الأشدين؛ وما أراك عبتني في الأكثر إلا بتحول جسدي الذي ليس خلقه علي، وضعفه الذي ليس أمره إلي، على أن أشهى الخصور أنحفها٧، وأقوى الجفون أضعفها، وأزكى النسيمات أعلها وأدنفها٨، وهذه سادات العرب تعد ذلك من فضلها الأظهر وحسنها الأشهر، ولو أنك تقول بالفصاحة وتقف في هذه الساحة، لأسمعتك في ذلك من أشعارهم وأتحفتك بما يفخرون به من آثارهم، وكذلك عيبك سواد خلقتي التي:

أكسبها الحب حلية صبغت ... صبغة حب القلوب والحدق٩

فيا لله ويا للحجر الأسود من هذه الحجة البائرة، والكرة الخاسرة، وعلى هذه النسبة ما عبتني به من فقر الأنبياء وذل الحكماء، على أن إطلاقات معروفي معروفة، وسطوات


١ قراعه: قتاله، ومنها مقارعة الأبطال، قتالهم ومنازلتهم.
٢ اللحن: الخطأ في النحو عند الكلام.
٣ قدحه: ذمه.
٤ الرفث: الفحش.
٥ هكذا وردت ونظنها "وتلم" وهي من بيت للنابغة:
ولست بمستبق أخًا لا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب
٦ الشعث: التفرق.
٧ أنحفها: أكثرها نحافة أي أدقها.
٨ أَعَلُها وأدْنَفُها: أكثرها نعومة ومدعاة للسكون والهدوء والدنف: السكر.
٩ حب القلوب: سويداؤها، والحدق: جمع مفرده حدقه وهي سواد العين.

<<  <  ج: ص:  >  >>