للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فوقع التتميم، في هذا الحديث، في أربعة مواضع، منها قوله: مسلم، ومنه قوله: لله، ومنها: كل يوم، ومنها قوله: من غير الفرائض.

ومن أناشيد قدامة على هذا القسم:

أناس إذا لم يقبل الحق منهم ... ويعطوه غاروا بالسيوف القواضب١

فقوله: ويعطوه، تتميم، فإنه في غاية الحسن، وهو٢ شاهد على ما جاء منه للاحتياط.

ومثال ما جاء منه للمبالغة، قول زهير:

من يلق يومًا على علاته هَرِمًا ... يلق السماحة منه والندى خلقا٣

فقوله: على علاته تتميم للمبالغة.

وغاية الغايات في التتميم للمبالغة، قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ٤. فقوله: على حبه، هو تتميم للمبالغة التي تعجز عنها قدرة المخلوقين. وأما التتميم الذي جاء في الألفاظ فهو الذي يؤتى به لإقامة الوزن، بحيث أنه لو طرحت الكلمة استقل معنى البيت بدونها، وهو على ضربين أيضًا: كلمة لا يفيد مجيئها إلا إقامة الوزن، وأخرى تفيد مع إقامة الوزن ضربًا من المحاسن. فالأولى من العيوب، والثانية من النعوت، والمراد هنا الثانية لا الأولى، ومثالها قول المتنبي:

وخفوف قلب لو رأيت لهيبه ... يا جنتي لظننت فيه جهنما٥

فإنه جاء بقوله: يا جنتي، لإقامة الوزن فأفاد تتميم المطابقة، وهو ضرب من المحاسن المشار إليها.


١ غاروا: أي أغاروا، هجموا. القواضب: القواطع.
٢ في الأصل: فإنه وقد استبدلناها بـ: هو المثبتة منعًا للتكرار.
٣ هرم: هو هرم بن سنان الذي كان يدفع ديات القتلى من ماله الخاص، ليصلح بين المتقاتلين، الندى: الكرم، وقوله: على علاته، لا يثبت بالضرورة هجاء لهرم، وإنما جاء به الشاعر تتميمًا للمبالغة في المدح.
٤ الإنسان، ٧٦/ ٨ وهذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إذ يروى أنه كان صائمًا وجاءه سائل فقال لفاطمة عليها السلام زوجته: ما عندك؟ قالت: بعض الأرغفة، فدفع بها إليه، وباتوا خماص البطون، حتى إذا جاء اليوم الثاني والثالث والحادثة تتكرر نزلت هذا الآية.
٥ الخفوف: الإسراع في الخفقان، وربما كان البيت: "وخفوق قلب" وإنما أصابها التصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>