للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشيخ صفي الدين أجاد في نظم هذا النوع وأتى بشروطه كاملة، فإنه مثل حاله، لما أضنى الهوى جسده لغيبة أحبابه، بالغصن لما يذوي لفقد المطر، وأخرج كلامه مخرج المثل السائر، كما تقرر، ولكن لو حط موضع الهوى، الجفا، لكان أقرب إلى المراد ولو كانت القافية غير الردم، لكانت أخف على القلوب.

والعميان لم ينظموا هذا النوع في بديعيتهم، وبيت الشيخ عز الدين:

من التعاظم تمثيل الزمان به ... وقد يكون اتضاع القدر بالشمم١

هذا البيت غير صالح للتجريد، وقد كلَّ الفكر، وعجزت أن أتوصل فيه إلى حد يتوصل به إلى فهم معناه، أو إلى صورة التمثيل في تركيبه، فلم أجد بدًا من مطالعة الشرح، فلما نظرت في شرحه وجدته قد قال فيه: إن العذول يتعاظم في كلامه وأفعاله، فلذلك مثل الزمان به، من استهتار السامع به والتهكم وعدم الإصغاء إليه، وفي ذلك تهجين له وربما استجيب فيه الدعاء، ثم قال في آخر الشرح: وقد أرسلت النصف الثاني من البيت مثلا، فما ازدادت مرآة ذوقي بذلك إلا صدًّا، والله أعلم.

وبيت بديعيتي:

وقلت ردفك موج كي أمثله ... بالموج قال قد استسمنت ذا ورم

انظر أيها المتأمل إلى التمثيل الذي مثلت فيه شيئًا بشيء فيه إشارة منه، كما قرره ابن رشيق في العمدة، وحذفت أداة التشبيه لتقريب المشبه من المشبه به، كما تقدم وتقرر أن لفظ التمثيل لا يكون إلا مقدرًا يمثل غالبًا، وأخرجت آخر كلامي مخرج المثل السائر، على مذهب من يرى ذلك، وأتيت بتسمية النوع البديعي مورى به مسبوكًا في أحسن القوالب، والله أعلم. بالصواب.


١ اتضع: انحط قدره، والشمم: التعالي والتكبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>