للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبيت الاستعارة قبل بيت التخلص، لم يحصل به فائدة، ولا يصير على مخلصه طلاوة الأدب، ويصير بينه وبين الأذواق السليمة مباينة، وقد تعين أن أورد بيت القسم وبيت الاستعارة هنا ليصيرا لمخلصه الضعيف تكأتين وهما:

لا لقبتني المعالي بابن بجدتها ... يوم الفخار ولا برّ التقى قسمي١

إن لم أحث مطايا العزم مثقلة ... من القوافي تؤم المجد عن أمم٢

من كل معربة الألفاظ معجمة ... يزينها مدح خير العرب والعجم٣

وابن الشيخ صفي الدين الحلي من قول كمال الدين بن نبيه وقد تقدم:

يا طالب الرزق إن سدت مذاهبه ... قل يا أبا الفتح يا موسى وقد فتحت

هذا المخلص لحسن تجريده يستغني به عن قصيدة. وقد تقرر أن نظام البديعيات التزموا أن يكون كل بيت منها شاهدًا على نوعه بمجرده، ليس له تعلق بما قبله ولا بما بعده. ومخلص العميان مثل مخلص الشيخ صفي الدين الحلي أيضًا، فإنه غير صالح للتجريد، وما تتم به الفائدة إن لم يأت ناظمه بما قبله، وعلى مذهب أصحاب البديعيات ما يصلح أن يكون شاهدًا، وهو:

يمم بنا البحر إن الركب في ظمإ ... فقلت سيروا فهذا البحر عن أمم

وقد تقدم قولي: إن العميان أتوا في براعة الاستهلال بصريح المدح، وهو قولهم فيها:

بطيبة انزل ويمم سيد الأمم ... وانشر له المدح وانثر طيب الكلم

فإذا حصل التصريح بالمدح في المطلع الذي هو براعة الاستهلال، لم يبق لحسن التخلص موقع، فإن حسن التخلص من شرطه أن يخلص الشاعر من الغزل، إلى المديح، لا من المديح إلى المديح، وأيضًا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له في المخلص ذكر، ولكنه استغنى بذكر البحر فإنه جعله كناية عن كرم النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ومخلص الشيخ عز الدين في بديعتيه:

حسن التخلص من ذنبي العظيم غدا ... بمدح أكرم خلق الله كلهم


١ ابن بجدتها: سيدها والعارف بها.
٢ مثقلة: محملة حملًا ثقيلًا، تؤم: تقصد، أمم: قرب.
٣ معجمة: منقطة من الإعجام وهو وضع النقاط على الحروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>