للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالوا ما زاد الحاجري على أن جعل خد محبوبه مسلخًا. فالتشبيه أيضًا، وإن كان مضيئًا، فإن فيه بشاعة شق المرائر على خد المحبوب. وبعضهم ما اكتفى بشق المرائر على خد محبوبه حتى سفك عليه الدماء بقوله:

وما أحمر ذاك الخد واخضر فوقه ... عذارك إلا من دم ومرائر

ومثل ذلك ما عابوه على ابن قلاقس في قوله:

ما ترى الصبح يخفى في دجنته ... كأنما هو سقط بين أحشائي

لا شك أن بهجة الصبح في أواخر الليل أبهج من السقط بين الأحشاء، والمشبه أعلى وأغلى من المشبه به، وعلى كل تقدير فالسقط بين الأحشاء، وسفك الدماء، وشق المرائر على خدود الأحباب تنفر منها الأمزجة اللطيفة، اللهم إلا أن يكون ذلك ليس له تعلق بشيء من أوصاف المحبوب، بل يكون تعلقه بحكاية حال واقعة، كقول الشاعر:

نزلنا بنعمان الأراك وللندى ... سقيط به ابتلت علينا المطارف١

وقفت بها والدمع أكثره دم ... كأني من جفني بنعمان راعف٢

هذه الحالة لا ينكر لها جريان الدمع دمًا فإنها حالة لائقة بجريانه على هذه الصفة، لأن هذا الشاعر لما أن نزل بنعمان التي هي منازل أحبابه ووجدها مقفرة منه، لاق بحاله أن يجري الدمع لشدة الأسف دمًا.

ومثله قول ابن قاضي ميلة، من قصيدته التي تقدم ذكرها:

ولما التقينا محرمين وسيرنا ... بلبيك ربًا والركائب تعسف٣

نظرت إليها والمطي كأنما ... غواربها منها معاطس رعف٤

هذا التشبيه غاية في هذا الباب، وجريان الدماء من غوارب المطي لائق بحكاية حاله، فإن هذه الحالة فيها لطف الكنايات عن التعسف في شدة السرى.

قلت: وإن سبكت هذه الحالة في قوالب الهجو، ورضعها الشاعر في صفات من هجاه، كانت أحسن موقعًا وأبلغ موضعًا، كقول مولانا المقر الشرف القاضوي الناصري


١ المطارف: جمع مطرف وهو الثوب الفضفاض الموشى.
٢ الراعف: الذي ينزل الدم من أنفه. والرعف: نزول الدم.
٣ تعسف: تسير على غير هدى.
٤ معاطس: أنوف، الغوارب: جمع غارب وهو ما بين سام البعير وعنقه. أو هو الكاهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>