للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأول. فقالوا: إبراهيم الموصلي. فقال: أخروه وقدموا العباس بن الأحنف. فقدم وصلى عليه. فلما فرغ وانصرف، دنا منه هاشم بن عبد الله الخزاعي فقال: يا سيدي، كيف آثرت العباس بالتقديم على من حضر! فقال: بقوله: وسعى بنا واش. البيتين، ثم قال: أتحفظهما؟ فقلت: نعم. فقال: أليس من قال هذا الشعر، أولى بالتقديم؟ فقلت: بلى والله يا سيدي. انتهى.

وقد تقدم قولي وتكرر: أن أصحاب الطريق الغرامية هم موالي رقيق الانسجام وتجار سوقه، ولولا نسمات أنفاسهم ما تنسمنا أخبار الحمى وتغزلنا في سفحه وعقيقه. وقد ألجأتني ضرورة الجنسية إلى ضم المتقدمين مع المتأخرين، لئلا ينفرط لعقودها نظام: وإذا أخرت من تقدم وأوردت له غير الطريق الغرامي، كان جلّ القصد من ذلك معرفة أنواع الانسجام. فمن الانسجام الغرامي قول الشريف الرضي، وهو الذي قال في حقه الثعالبي في كتاب اليتيمة: هو أشعر الطالبيين، قديمًا وحديثًا، على كثرة شعرائهم المفلقين. ولو قلت: إنه أشعر قريش، لم أبعد عن الصدق والقول الموعود بإيراده قوله:

نسرق الدمع في الجيوب حياءً ... وبنا ما بنا من الأشواق١

لا أذم السراء في طلب العـ ... ـز ولكن في فرقة العشاق

يوم لا غير زفرة من فؤاد ... ذي قروح ورشقة من مآق

والثرى منتش يعاقره السيـ ... ـر دمًا جاريًا بأيد النياق٢

أمعيني على بلوغ الأماني ... وشفائي من علتي واشتياقي

أينعت بيننا المودة حتى ... جللتنا والزهر بالأوراق٣

كم مقام خضنا حشاه إلى اللهـ ... ـو جميعًا والليل ملقى الرواق٤

ومزجنا خمر الرضابين في الرشـ ... ـف برغم المدام تحت العناق

قم نبارد رمي الظلام ببين ... بسهام الخطوب في الاتفاق

واغتنمها قبل الفراق فيما نعـ ... ـلم يومًا حتى يكون التلاقي

نحن غصنان ضمنا عاطف الوجد ... جميعًا في الحب ضم النطاق٥

في جبين الزمان منك ومني ... غرَّة كوكبية الائتلاق


١ الجيوب: مفردها جيب وهو فتحة الثوب التي يدخل منها الرأس.
٢ يعاقره، يساقيه. يشربا معًا.
٣ أينعت: نضجت. جللتنا: غطتنا.
٤ الرواق: الستار. ورواق الليل ظلامه.
٥ النطاق: حزام يشد به الوسط.

<<  <  ج: ص:  >  >>