للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن قدرت على تشويش طرته ... فشوشيها ولا تبقي ولا تذري

ثم اسلكي بين برديه على مهل ... واستبضعي وانثني منه على قدر١

ونبهيني دون القوم وانتفضي ... عليَّ والليل في شك من السحر

لعل نفحة طيب منك نائبة ... تقضي لبانة قلب عاقر الوطر٢

وممن برع في الطريق الغرامية، وأينع زهر نظمه في حدائق الانسجام بها، الشيخ تقي الدين السروجي رحمه الله تعالى. قال الشيخ أثير الدين أبو حيان، رحمه الله: كان الشيخ تقي الدين، مع زهده وعفته، مغرمًا بحب الجمال، وكان يغني بشعره الغرامي في عصره، لرقة انسجامه وعذوبة ألفاظه. وقال الشهاب محمود: كان الشيخ تقي الدين يكره مكانًا يكون فيه امرأة، ومن دعاه من أصحابه قال: شرطي معروف، وهو أن لا يحضر في المجلس امرأة. وكنا يومًا في دعوة، فأحضر صاحب الدعوة شواء وأمر بإدخاله إلى النساء يقطعنه ويجعلنه في الصحون، فلما حضر بعد ذلك تقرف منه، وقال: كيف يؤكل وقد لمسنه بأيديهن. وذكر أبو حيان: أنه لما توفي بالقاهرة، رابع رمضان المعظم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، قال أبو محبوبه: والله ما أدفنه إلا في قبر ولدي، فإنه كان يهواه في الحياة، وما أفرق بينهما في الممات. هذا لما كان يعهده من دينه وعفافه، فمن اسنجاماته الغرامية:

أنعم بوصلك لي فهذا وقته ... يكفي من الهجران ما قد ذقته

أنفقت عمري في هواك وليتني ... أعطي وصولًا بالذي أنفقته٣

يا من شغلت بحبه عن غيره ... وسلوت كل الناس حين عشقته

كم جال في ميدان حبك فارس ... بالصدق فيك لي رضاك سبقته

أنت الذي جمع المحاسن وجهه ... لكن عليه تصبري فرقته

قال الوشاة قد ادعى بك نسبة ... فسررت لما قلت قد صدقته

بالله إن سألوك عني قل لهم ... عبدي وملك يدي وما أعتقته

أو قيل مشتاق إليك فقل لهم ... أدري بذا وأنا الذي شوقته

وما ألطف ما قال منها:

يا حسن طيف من خيالك زارني ... من عظم وجدي فيهما حققته

فمضى وفي قلبي عليه حسرة ... لو كان يمكنني الرقاد لحقته


١ استبضعي: أي مري على البُضع وهو فرج المرأة.
٢ اللبانة: الحاجة. العاقر: التي لا تلد. الوطر: الحاجة.
٣ وصول: جمع وصل: وهو عبارة عن ورقة تثبت الإنفاق "مستحدثه".

<<  <  ج: ص:  >  >>