للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله من المطرب، قول الحسين بن الضحاك:

له عبثات عند كل تحية ... بعينيه تستدعي الحليم إلى الوجد١

رعى الله عصرًا لم نبت فيه ليلة ... خليًّا ولكن من حبيب على وعد٢

ومن الغايات في هذا الباب، أعني الانسجام الغرامي، ما كان يكثر من الترنم به أبو القاسم القشيري وهو:

لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... وشهدت حين نكرر التوديعا٣

أيقنت أن من الدموع محدثًا ... وعلمت أن من الحديث دموعا

ومثله قول خالد الكاتب:

بكى عاذلي من رحمتي فرحمته ... وكم مثله من مسعد ومعين

ورقت دموع العين حتى كأنها ... دموع دموعي لا دموع جفوني

ويعجبني، من هذا الباب، قول إسحاق بن إبراهيم الموصلي:

على عصر أيام الصبابة والصبا ... ووصل الغواني والتذاذي بالشرب

سلام امرئ لم تبق منه بقية ... سوى نظر العينين أو شهوة القلب

ومن غراميات القاضي الفاضل، في باب الانسجام قوله:

ترى لحنيني أو حنين الحمائم ... جرت فحكت دمعي دموع الغمائم

وهل من ضلوع أو ربوع ترحلوا ... فكل أرها دارسات المعالم٤

لقد ضعفت ريح الصبا فوصلتها ... فمنِّي لا منها هبوب السمائم٥

دعوا نفس المقروح يحمله الصبا ... وإن كان يهفو بالغصون النواعم٦

تأخرت في حمل السلام عليكم ... لدينا لما قد حملت من سمائم

فلا تسمعوا إلا حديثًا لناظري ... يعاد بألفاظ الدموع السواجم٧


١ عبثات: غمزات وهي من العبث وهو اللعب الذي لا طائل تحته.
٢ خليًّا: وحيدًا، أو خاليًا من شيء ما.
٣ بيننا: الأولى فراقنا.
٤ دارسات المعالم: ممحوات الآثار.
٥ السمائم: جمع سموم وهي رياح حارة.
٦ الصبا: رياح تحمل روائح طيبة تهب على الجزيرة العربية من جهة الشرق.
٧ السواجم: المنسكبة، سجم الدمع: انصب وانسكب.

<<  <  ج: ص:  >  >>