للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلامه إلى قوله: حب الفنا، وزيادة المعنى في قوله: لم يحطم، فيها نكتة بديعية غريبة، وأنا أذكرها هنا تنبيهًا على ما قرره الأصمعي، وما ذاك إلا أن زهيرًا شبه ما تفتت من العِهن بحب الفنا، والفنا شجر ثمره حب أحمر وفيه نقط سود، وقال الفراء: هو عنب الثعلب. فلما قال زهير، بعد تمام معنى بيته: لم يحطم، أراد أن يكون حب الفنا صحيحًا، لأنه إذا كسر ظهر له لون غير الحمرة.

وقال ابن أبي الأصبع في كتابه المسمّى "بتحرير التحبير": ولقد أحسن ابن المعتز في إيغاله، بقوله لابن طباطبا العلوي:

فأنتم بنو بنته دوننا ... ونحن بنو عمه المسلم

فإنه تحيل على المساواة، بأن قال: ونحن بنو عمه المسلم، والكلام تم قبل الإتيان بالقافية، فلما أتى بها أفلت معنى، إذ لا طريق له إلى التفضيل بزيادة في حسن الجد.

والذي وقع اتفاق البديعيين عليه: أن أعظم ما وقع في هذا الباب وأبلغ، قول الخنساء أخت صخر:

وإن صخرًا لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار١

فإن معنى جملة البيت كامل دون القافية، فوجدوها زيادة لم تكن له قبلها. وهذه المرأة لم ترض لأخيها أن يأتم به جهال الناس، حتى جعلته يأتم به أئمة الناس، وهذا تتميم. ولم ترض تشبيهه بالعلم، وهو الجبل المرتفع المعروف بالهداية، حتى جعلت في رأسه نارًا.

ويعجبني، من أمثلة هذا النوع في شعر المتأخرين، قول الباخرزي من قصيدة:

أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه ... ترني فقلت لها وأين فؤادي

ومثله قول الآخر:

تعجبت من ضنى جسمي فقلت لها ... على هواك فقالت عندي الخبر

وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته، يقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم:

كأن مرآه بدر غير مستتر ... وطيب رياه مسك غير مكتتم


١ تأتم: تجعله إمامًا وتقتدي به، الهداة: الأئمة، العلم: الجبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>