للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سئل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا؟ فقال: هادٍ يهديني. أراد أبو بكر -رضي الله عنه- هاديًا يهديني إلى الإسلام، فورى عنه بهادي الطريق، وهو الدليل في السفر.

وكانت خواطر المتقدمين عن نظم التورية بمعزل، وأفكارهم مع صحتها ما خيمت عليها بمنزل، لكنها ربما وقعت لهم عفوًا من غير قصد، لأنهم على كل حال ولاة هذا الشأن، وأدلة هذا الركب. وقيل إن أول من كشف غطاءها، وجلا ظلمة إشكالها، أبو الطيب المتنبي بقوله:

برغم شبيب فارق السيف كفه ... وكانا على العلات مصطحبان

كأن رقاب الناس قالت لسيفه ... رفيقك قيسي وأنت يماني

يريد أن كف شبيب وسيفه متنافران فلا يجتمعان؛ لأن شبيبًا كان قيسيًّا والسيف يقال له يماني، فورى به عن الرجل المنسوب إلى يمن، ومعلوم ما بين قيس ويمن من التنافر. قلت: وكأن من قال: إن أبا الطيب أول من كشف غطاء التورية، ما لمح قول عمرو بن كلثوم في معلقته عن الخمرة:

مشعشعة كأن الحص فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا١

الشاهد هنا في سخينا، فإن العرب كانوا يسخنون الماء في الشتاء لشدة برده، ثم يمزجونها به فسخينا على هذا التقدير نعت لموصوف محذوف والمعنى: فأضحى شرابًا سخينًا، وهذا هو المعنى القريب المورى به. ويحتمل السخاء الذي هو عبارة عن الكرم، وهذا هو المعنى البعيد المورى عنه. ومراد الناظم ومما يؤيد قولي أنه المراد، قول الجوهري في الصحاح: قول من قال سخينًا من السخونة، نصب على الحال ليس بشيء فإن المراد لما خالطها الماء ومزجت به طبنا وسخينا بأموالنا: كقول عنترة:

وإذا سكرت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم٢

والحص هو الزعفران على أحد الأقوال، وهو الذي شبه صفرتها به، فإن قيل: سخا


١- الحص: الزعفران وهو ذو لون أصفر شبيه بلون بعض أنوع الخمرة، وسخينا: صيغة مبالغة من السخونة، وهي منصوبة على الحال وليس كما أورد الكاتب عن الجوهري إذ ليس ما يوجب التأويل الذي لجأ إليه الكاتب بقوله: فسخينا على هذا التقدير نعت لموصوف محذوف، والمعنى: فأضحى شرابًا سخينًا. والذي نراه أن البيت يحتمل تأويلين: الأول وهو: تراها مشعشعة لونها بلون الزعفران إذا مزحت بالماء سخينا، أي مسخنًا. والثاني: إذا شربناها مشعشعة لونها بلون الزعفران ممزوحه بالماء صرنا كرامًا.
٢ لم يكلم: لم يتعرض لأذى والكلم هو الجرح.

<<  <  ج: ص:  >  >>