للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقرر: إن ركني الجناس يتفقان في اللفظ ويختلفان في المعنى؛ لأنه نوع لفظي لا معنوي، وهو نوع متوسط بالنسبة إلى ما فوقه من أنواع البديع، والتورية من أعز أنواعه وأعلاها رتبة، فإذا جعلت الجناس تورية، انحصر المعينان في ركن واحد وخلصت من عقادة الجناس، وحركة الأذواق وأبهجت خاطر السامع، بما أتحفته من بديع تركيبها وتأهيله بغريبها، وأنا أذكر المثالين هنا ليتضح في الأذهان الصحيحة، أن النهار لم يحتج إلى إقامة دليل. قال صاحب الجناس المركب:

أعن العقيق سألت برقًا أومضا ... أأقام حاد بالركائب أو مضى١

قال صاحب التورية:

وإذا تبسم ضاحكًا لم ألتفت ... إن عاد برقا في الدياجي أو مضا

وهنا يحسن أن يتمثل بقول القائل:

ومن يقل للمسك أين الشذا ... كذبه في الحال من شما

ومثله قول الشاعر:

نديمي لا تسقني ... سوى الصرف فهو الهني

ودع كأسها أطلسا ... ولا تسقني مع دني٢

ومن التورية المركبة ما أنشدني، من لفظه، علامة عصرنا القاضي بدر الدين بن الدماميني، بما كتب به إلى مولانا الحافظ الشيخ شهاب الدين ملك المتأدبين، وعمدة المحققين، أبي العباس أحمد بن حجر الشافعي:

حمى ابن علي حوزة المجد والعلا ... ومن رام المعالي وحازها

وكم مشكلات في البيان بفهمه ... تبينها من غير عجب ومازها٣

فأجابه شيخنا المشار إليه:

بروحي بدرًا في الندا ما أطاع من ... نهاه وقد حاز المعالي فزانها

يسائل أن ينهي عن الجود نفسه ... وها هو قد بر العفاة ومانها٤


١ العقيق: واد بظاهر المدينة المنورة.
٢ أطلسا: في لونه طُلْسَة وهي الغُبْرة إلى السواد. أو شفافًا.
٣ ومازها: ميزها، ولفظها يوهم أنه: ما افتخر.
٤ التورية في قوله: ومانها: فاقها، ولفظها يوهم أنه ما طلب ترك الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>