للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أبو الفتح، فإنه ثابر على استعمال الجناس كثيرا، ولكن ما أعلم أنه نظم أحسن من هذا البيت، وقد تجمل به نوع الجناس وكاد أن يكون تورية، وما أحسن قول المعري فيه وأحشمه:

لم نلق غيرك إنسانًا يلاذ به ... فلا برحت لعين الدهر إنسانًا١

ومطلع الشيخ صفي الدين، في قصيدته البائية التي عارض بها المتنبي، وامتدح بها السلطان الملك الناصر، سقى الله عهده، حسن في هذا الباب وهو:

أسبلن من فوق النهود ذوائبًا ... فتركن حبات القلوب ذوائبا٢

ومن محاسنها:

عاتبته فتضرجت وجناته ... وازور ألحاظا وقطب حاجبا٣

فأذابني الخد الكليم وطرفه ... ذو النون إذ ذهب الغداة مغاضبا٤

ومطلع قصدية ابن نباتة التي امتدح بها الملك الأفضل، صاحب حماة، غاية في هذا النوع، وقد عارض أبا الطيب المتنبي، ولكن أتى فيها بما لو سمعه أبو العلاء لرجع عن ديوان أحمد، وأقر بمعجمات محمد. فمطلع المتنبي:

أرق على أرق ومثلي يأرق ... وجوى يزيد وعبرة تترقرق٥

ومطلع ابن نباتة:

ما بت فيك بدمع عيني أشرق ... إلا وأنت من الغزالة أشرق٦

ولأجل إطنابي في هذه القصيدة تعين إيراد شيء من محاسنها هنا. فمنها:

أنفقت عيني في البكاء وحبذا ... عين على مرأى جمالك تنفق

وتكاثرت في الجفن أنجم أدمعي ... فكأن غرب الجفن مني مشرق


١ يلاذ به: يحتمي به - إنسان العين: بؤبؤها.
٢ أسبلن: أرخين - النهود: جمع مفرده نهد وهو الثدي - الذوائب: خصل الشعر.
٣ تضرجت: احمرت من جراء تدفق الدم إليها من الخجل - والوجنات مفردها وجنة: وهي كرسي الخدم ويقصد بها معظمه - ازور ألحاظا: أدار نظره عني.
٤ الكليم: الجريح - ذو النون: هو الذي ورد ذكره في القرآن في قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا ... } الأنبياء: ٢١/ ٨٧.
٥ الأرق: عدم استطاعة النوم - عبرة: دمعة.
٦ أشرق: أغص: الغزالة: من أسماء الشمس - أشرق: أكثر إشراقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>