للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خذ بحر شعر جبته للذكر ... وغصت في البحر ابتغاء الدر

حتى ملا عيني نداه عينًا ... وطبت نفسًا إذ قضيت الدينا

دونكها معسولة الآداب ... ممزوجة بملحة الإعراب١

مضى بها الليل مضيّ الأنجم ... وبات زيد ساهرًا لم ينم

فافتح لها باب القبول تجتلى ... وإن تجد عيبًا فسد الخللا

لا زلت مسموع الثنا ذا منن ... جائلة دائرة في الألسن

ما لعداك راية تقام ... فليس إلا الكسر والسلام

وقال الشيخ زين الدين بن الوردي:

في صدغه للحسن آيات تخط ... وقال قوم إنها اللام فقط

قلت: الشيخ جمال الدين تقدمه في هذا البيت بالإيداع، وهنا بحث لطيف أبحثه مع حذاق الأدب، قال الشيخ جمال الدين بن نباتة: "لأحرف الحسن على خديه خط" ومراده بذكر الأحرف هنا مخالفة القوم له، على أنها ليست بأحرف وإنما هي حرف اللام فقط. وقال الشيخ زين الدين: "في خده للحسن آيات تخط" فلم يبق لقول من خالفه بقوله. وقال قوم إنها اللام فقط موضع ولا محل، وأين الآيات التي تخط من اللام، ولعمري إن هذا الإيداع، على هذا التقدير، يصير بينه وبين العجز من بيت الملحة بعض مباينة، وكان الأليق للشيخ زين الدين الإعراض عن إيداع هذا البيت بعد الشيخ جمال الدين، فإنه لم يترك لغيره مجالًا فيه، والله أعلم. وقال الشيخ زين الدين بن الوردي، رحمه الله تعالى:

زمانه غض فلا يخشى فرط ... إذ أَلِفُ الوصل متى يدرج سقط

بسيف حفنه قتلت نفسي ... فإنه ماض بغير لبس٢

فيا غزال إن أبنت ما اعتدى ... فأسقط الحرف الأخير أبدا

قلت لمذكر لحي خلّ الفند ... واسع إلى الخيرات لقيت الرشد

وهذا الإيداع أيضًا نسخه الشيخ زين الدين من قول الشيخ جمال الدين، وسبكه في غير قالبه، وأين هذا من قول الشيخ جمال الدين في إشاراته إلى قاصد ممدوحه:

وأنت يا قاصده سر في جدد ... واسع إلى الخيرات لقيت الرشد


١ معسولة الآداب: حلوة الآداب. وكأن آدابها مزجت بالعسل لحلاوتها.
٢ ماضٍ: قاطع. اللبس: الشك والريبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>