للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفرد، وتأملت بقصور راحتي نكتة برد الأماني، فانعقد لسحر البيان لساني، وتيقنت أنه لا يقوى على فهم هذا البرد إلا كل حديد النظر، ووجدت تصحيف هذه الكلمة، يا شمس الفضائل للعقول قمر، وعلمت أن الفكر لا يجاري من بديهته من بحر الفضائل رويه، وأن الخاطر لا يقوى على سلطان هذا اللغز؛ لأن شوكته قوية، وقلت للذهن رد١ بعضه لتنتهل شرابًا سائغًا، وزد تصحيفه ليكون في التعريف بمعناه مبالغًا، وتمتعت من ورده بالمشموم، ثم تذكرت البعد عن جناب المخدوم، فاستقطر البين ماء الورد من حدقي ولمولانا الصفح عن مقابلة هذا الدر بالسقط٢، وتمر هجر بهذا الحشف الملتقط٣.

قلت وعلى ذكر القدح والورد، حسن أن نورد هنا لغزًا في المدام وقفت عليه، للشيخ صلاح الدين الصفدي بخطه:

وما شيء حشاه فيه داء ... وأوله وآخره سواء

إذا ما زال آخره فجمع ... يكون الحد فيه والمضاء٤

وإن أهملت أوله ففعل ... له بالرفع والنصب اعتناء

قلت: لا بد للمدام من ماء من حيث الممازجة:

ووقفت بالديار المصرية على لغز للشيخ زين الدين بن العجمي، ألغزه في الماء فأعجبني، وهو قوله: سألتك أعزك الله عن سائل لا حظ له في الصدقة، ولم يكن متصل النسب بالأشراف، وتراه كثير الرجفان. من غير أن يخاف، كم رد سائله نهرًا، وعفر وجه قائده في التراب قسرًا، مذكر كثير الحيض، لطيف الانبساط سريع الفيض، مطلق التصرف وعليه الحجر٥، وطال ما قبل العشاء أبدى لنا الفجر، يتشعب ويتكسر، ويتعوج ويتدور، وتبدو له خمسون عينًا وأكثر، يحمل القناطير المقنطرة، ويعجز عن حمل إبرة، سرع الاستحالة، قل أن يثبت على حاله، بعيد الغوص ليس له قرار، ويعاجل صفاء وراده بالأكدار، ويسكن في تخوم الغبرا٦، وينم على أحوال السماء نثرًا، بعيد الغوص رقيق القلب على كل عديم، وكيف لا وهو المولى الحميم، يجود بأفخر الحلى، ولا يردّ


١ رِدْ: أمر من وَرَدَ.
٢ السقط: من كل شيء الرديء.
٣ الحشف: التمر الرديء، وتمر هجر أحسن أنواع التمر، وهجر مدينة اشتهرت بتمرها.
٤ الحدّ: قصاص مفروض من الله سبحانه وتعالى مقابل جنايات معينة. والمضاء: التنفيذ.
٥ الْحَجْر: المنع من التصرف والحركة.
٦ الغبرا: الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>