للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المواردة، ألجأته الضرورة إلى نظمها، ليكون البيت المنظوم منتظمًا في سلك شواهد بديعيته، بحيث لا تخلو من هذا النوع.

وبيت الشيخ عز الدين في بديعيته قوله:

بيت المدائح تستوفي علاه ولو ... تواردت في مديح غير منصرم

الشطر الأول من هذا البيت، ذكر الشيخ عز الدين، في شرحه، أنه توارد هو وأبو الطيب المتنبي عليه.

والعميان لم ينظموا هذا النوع في بديعيتهم. ومعنى المواردة في بيت بديعيتي أني كنت مدحت تمر بغاء الأفضلي الشهير بمنطاش، ورياحين الشبيبة غضة، ونشوة الابتداء تحث على دور كاسات الأدب، وكان المشار إليه إذ ذاك كافل المملكة الحموية، بقصيدة رائية سارت ببديع محاسنها الركبان، واحتوت على معان لم أسبق إليها، وتمثلت في غصون نظمها بين يدي شيخي، وهو مولانا قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن على القضامي الحنفي -رحمه الله- وقد علق بخاطري منها أبيات، فأنشدته في ذلك الوقت ما علق بخاطري، وهو قولي منها:

له مطالعة في الحرب حين يرى ... دم العدا فوق طرس الأرض قد سطرا

إن راسل القوم أنشا في رسائله ... سجعات ضرب بها الهامات قد نثرا

كتابه السيف والخطي له قلم ... والرسل أسهم حتف توضح الخبرا١

إن كان قد نظم الأعدا مكيدتهم ... فقل لهم إنه من قبلهم شعرا

لأنه ببديع الحسن لف لنا ... شملًا ولكن لأرقاب العدا نشرا

وخط من فوق ألواح الصدور لهم ... بابًا من الخوف في أحشائهم وقرا

وصار يكتب بالهندي ويعجم بالـ ... ـخطي فعل شجاعٍ قد قرا ودرى٢

تراه بالرمح بدرًا حاملًا غصنًا ... وبالتريسة غصنًا حاملًا قمرا٣

إن جس عودًا لضرب مال سامعه ... والخيل يرقصها إن حرك الوترا

وصار٤ كلما أنشدته بيتًا من هذه الأبيات يترنم كثيرًا، ويرسم لي بإعادته حتى انتهيت إلى قولي:


١ الخطي: الرمح.
٢ الهندي: السيفن ويكتب بالهندي: يفرض بالسيف. يعجم: يزيل الإبهام، ويختبر. قرا: قرأ.
٣ التريسة: الترس وهو ما يتقى به السيف.
٤ في الأصل: صرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>