للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخضل واليسر، عسيره، ولقد كان أهلها في ظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة، فعبس بعد ذلك ثغر روضها الباسم، وضاع من غير تورية عطره الناسم.

ومن غراميات البهاء زهير ولطائفه في الجناس المصحف قوله:

وليس مشيبًا ما ترون بعارضي ... فلا تمنعوني أن أهيم وأطربا١

وما هو إلا نور ثغر لثمته ... تعلق في أطراف شعري فألهبا

وأعجبني التجنيس بيني وبينه ... فلما تبدى أشنبا رحت أشيبا٢

وما أظرف قول شمس الدين بن العفيف، وقد كنى بأحد الركنين عن الآخر، وهو:

يا ذا الذي صد عن محب ... فيه أذاب الغرام قلبه

مالك في الهجر من دليل ... لكن هذي علوّ قلبه

ولم يطالب فيه التشويش لظرافته ولطافته.

انتهى الكلام على الجناس المصحف. وأما قولي وحرفوا وأتوا بالكلم في الكلم، فهذا جناس التحريف، وهو ما اتفق ركناه في عدد الحروف وترتيبها واختلفا في الحركات، سواء كانا من اسمين أو فعلين أو من اسم وفعل أو من غير ذلك، فإن القصد اختلاف الحركات كما تقرر، والمقدّم فيه, وهو الغاية التي لا تدرك، قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ، فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ} ٣. ولا يقال: إن اللفظين متحدان في المعنى، لأنهما من الإنذار، فلا يكون بينهما تجنيس، فاختلاف المعنى ظاهر، إذ المراد بالأول الفاعلون وهم الرسل، وبالثاني المفعولون وهم الذين وقع عليهم الإنذار، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي". ومثله قوله: جبة البرد جنة البرد، ومثله قولهم: رطب الرطب ضرب من الضرب، ومنه قول القاضي الفاضل: لا زالت الملوك ببابه وقوفًا، والقدار له سيوفًا، والخلق له في دار الدنيا ضيوفًا، ودين دين الحق إذا جردوا لتقاضيه سيوفا سيوفي.

ومن النظم قولي أبي تمام:

هن الحمام فإن كسرت عيافة ... من حائهن فإنهن حِمام٤


١ عارضي: جانب وجهي، وهما عارضان.
٢ أشنبا: أبيض الأسنان رقيقها.
٣ الصافات: ٣٧/ ٧٢، ٧٣.
٤ عيافة: ظنًّا وحدسًا، والعيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها - الحِمام: الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>