للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للدين نار غضبها، وعداها حر الإشفاق على ثغور المسلمين فأعرضت عن برد الثغور وطيب شنبها، والحماة ما منهم إلا من استظهر بإمكان قوته وقوة إمكانه، والأبطال ما فيهم من يسأل عن عدد العدو بل عن مكانه.

قلت: ما أوردت كثيرًا من الإنشاء ههنا إلا لأن يطيب للتأمل تنقله من شطوط البحور، إلى التنزه في رياض المنثور. فمن ذلك ما أنشأته في تقليد مولانا المقر الأشرف المرحومي القاضوي الناصري، محمد بن البارزي الشافعي، بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة، وهو قولي: وقد أوصلناه إلى رتبة استحقاقه من رتب المعالي، ورقيناه إلى درجات الكمال، علمًا أن الكمال ما خرج عن بيته العالي، فإنه المنشئ الذي ما للصاحب دخول إلى ديوانه، ولا لابن عبد الظاهر بلاغته وقوة سلطانه، ولا للشهاب محمود أن يباهي كماله في طارفه وتليده، ولا للقاضي الفاضل شرف البارزي وتمييزه ولو بالغ في كثرة شهوده، ما نثر في كمام طرسه١ زهره إلا وأرانا ذيول زهر المنثور، ولا قرع أبواب المصطلح إلا فتحت ودخل بيتها بغير دستور، ولا تسنم منبرًا إلا أجاد بألفاظ كان مزاجها من تسنيم، وقالت البلغاء للفصاحة المحمدية ما ثم إلا الرضا والتسليم.

ومنه ما أنشأته في تقليد ولده، وهو مولانا المقر الأشرف الكمالي عظم الله شأنه، بصحابة دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة، وهو قولي: فإنه من البيت الذي وهبه الله شرف العلم ورحم منه كل ميت، فقل لكل من مشايخ الإسلام ناشدتك الله هل تنكر هبة الله لهذا البيت، وما خفي أن إمامكم الأعظم أول من راعى حقوقه وبادر إلى رفع مثاله، وشرع في رفع قواعده وتشييد كماله، ولهم هذا الفرع الذي زكت أصوله وسقيناه ماء القرب فأتمر، وقد أنبته الله نباتًا حسنًا والنبات الحموي حسنه لا ينكر. غاب نيره الأكبر فأبدر بعده وهذا البدر في كماله ما أبهاه، ولجأ إلى الله ثم إلينا فزاده الله كمالًا وعلمنا أن الكمال لله، وسلكناه في حياة والده فكان لمشيختنا الشريفة نعم المريد، وأخذ عنا الأدب فجاد نظمه وها هو في البيوت البارزية بيت القصيد، والكتابة دون كماله ومحاسنه تجل أن تقابل بمثال، وإن كان الكمال زها بحاشيته فحاشيتنا زهت بهذا الكمال، وكان والده عقدًا فرط فيه الزمان ولكن استدرك فارطه، وقد نظمناه في عقد سلكنا الشريف إلى أن صار به نعم الواسطه. وامتدت ألسن الأقلام إلى ثغور المحابر فقبلتها، وانشرحت صدور الأوراق وعلق فيها عنابر سطور فحملتها، وقالت لحمر أقلامه: أهلًا بالعربيات التي ليس لها إلا الأيدي الجهينية غرر، ومرحبًا بعد النوبة بقهوة الإنشاء


١ الطرس: ما يكتب عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>