للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان لسان القلم قد طال فأنا أقطه١ ههنا تأدبًا مع عبد الرحيم، وقد وصلنا ههنا شمل القطعتين، ليتفكه المتأمل في جنى الجنتين، ويتنزه نظره في حدائق الروضتين، ويطرب لسجع حمام الدوحتين.

"قال القاضي الفاضل": نعم الله سبحانه وتعالى من أصوبها بزوغًا، وأضفاها سبوغًا، وأصفاها ينبوعًا، وأسناها منفوعًا، وأمدها بحر مواهب، وأضمنها حسن عواقب، النعمة بالنيل المصري الذي يبسط الآمال ويقبضها مده وجزره، ويربي النبات حجره، ويجري على سواد الأرض بفضته البيضا، ويهنأ بيده الخصيبة نقب الجرب من الحربي، ويحيي مطلعه أنواع الحيوان، ويجني ثمرات الأرض صنوان وغير صنوان، وينشر مطوي حريرها وينشر مواتها، ويوضح معنى قوله تعالى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} ، وكان وفاء النيل المبارك في تاريخ كذا وكذا، فأسفر وجه الأرض وإن كان قد تنقب، وأمن يوم بشراه من كان خائفًا يترقب فرأينا الإبانة عن لطائف الله سبحانه وتعالى وقد حققت الظنون، ووفت بالرزق المضمون، إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون، وقد أعلمناك لتوفي حقه من الإذاعة، وتبعده من الإضاعة، وتتصرف فيه على ما يصرفك من الطاعة، وتشهر ما أورده البشير من البشرى بإبانته، وتمده بإيصال رسمه إليه على عادته.

"فقلت بعد الفاضل": ونبدي لعلمه ظهور آية النيل المبارك الذي عاملنا الله فيه بالحسنى وزيادة، وأجراه لنا في طرق الوفاء على أجمل عادة، وحلق أصابعه ليزيل الإبهام فأعلن المسلمون بالشهادة، كسر بمسرى فأصبح كل قلب بهذا الكسر مجبورًا، وأتبعناه بنوروز٢ ما برح هذا الاسم بالسعد المؤيدي مسكوًّا، دق قفا السودان فالراية البيضاء من كل قلع٣ عليه، وقبل ثغور الإسلام وأرشفها ريقه الحلو فمالت بأعطاف غصونها إليه وشبب خريره في الصعيد بالقصب، ومد سبائكه الذهبية إلى جزيرة الذهب، فضرب الناصرية واتصل بأم دينار، وقلنا إنه صبغ بقوة لما جاء وعليه الاحمرار، وأطال الله عمر زيادته فتردد الناس على الآثار، وعمته البركة فأجرى سواقي مكة إلى أن غدت جنة تجري من تحتها الأنهار، وحصن مشتهى الروضة في صدره وحنى عليه حنوّ المرضعات على الفطيم.

وأرشفه على ظمأ زلالا ... ألذ من المدامة للنديم٤


١ قطّ: قصّ وقصّرَ.
٢ النوروز: والنيروز: عيد الربيع عند الفرس وهو رأس السنة الفارسية.
٣ القِلْع: الصدرية والرجل الذي لا يثبت على ظهر الخيل. وبفتح القاف وكسر العين: الذي لا يثبت في البطش ولا على السرج، والرجل البليد.
٤ الزلال: الماء الصافي. وأرشف: سقى.

<<  <  ج: ص:  >  >>