للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأوضحت أوقات الربوة بعد ذلك العيش الخضل واليسر عسيرة، لقد كان أهلها في ظل ممدود {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} ١.

ومن ذلك، ما أنشأته قديمًا في توقيع لمولانا قاضي القضاة، علاء الدين عالم المسلمين، أبي الحسن علي الحنبلي -جمل الله الوجود بوجوده- بنظر البيمارستان٢ النوري بحماة المحروسة. والذي أوردته في التوقيع، من الاقتباسات البديعة, قولي: وصفت مشارب الصفا بعد الكدر {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} ٣ وتلا من سعى لهم في ذلك وجزى بالخيرات، إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورًا، ودار شرب العافية على أهل تلك الحضرة بالطاس والكاس، وحصل لهم البرء من تلك البراني٤ التي يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، وتمشت الصحة في مفاصل ضعفائه وقيل لهم: جوزيتم بما صبرتم، وامتدت مقاصيرهم {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} ٥.

"ومن ذلك"، ما اقتبسته في ديباجة عهد مولانا أمير المؤمنين المعتضد بالله، زاده الله شرفًا وتعظيمًا، وهو: الحمد لله الذي شد عضد هذه الأمة بمن أمسى به معتضدا، وأسعفنا من البيت النبوي بخليفة ما برح شيخ الملوك في تقديم بيته الشريف مجتهدًا، وأقام العلم العباسي بعد أبي مسلم بأبي النصر فأكرم بحسن الختام وحسن الابتدا، وتكرر حمده على سلطان مؤيد أتحف به العلماء الأعلام، وظهر لجلالهم في أيامه الزاهرة بهجة فقال: هذا زمان مشايخ الإسلام، ونحمده على حكمته التي اقتضت أن تكون الخلافة عمدة الأحكام يزول بها الالتباس، وهو القائل تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ} ٦.

"من ذلك" ما اقتبسته في عهد مولانا السلطان الملك الظاهر ططر، بقولي منه: فإن البغاة لاحتجاب السلطنة عنه سدا أسسته على الطغيان، فقيل لأهل البيعة: قد فتح الله لأبي الفتح {فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} ٧.


١ الواقعة: ٥٦/ ٣٢.
٢ البيمارستان: فارسية معرّبة بمعنى العيادة والمستشفى.
٣ الإنسان: ٧٦/ ٢١.
٤ البراني: جمع مفرده برينة وهي إناء من فخار.
٥ الزمر: ٣٩/ ٧٣.
٦ سورة ص: ٣٨/ ٢٦.
٧ الرحمن: ٥٥/ ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>