للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة لا نوع الإضمار، ولكن ما نظمه، ولم يذكر نوع الإضمار في بديعيته غير الشيخ صفي الدين الحلي، وقد تقدم القول أنه قال عن بديعيته: إنها نتيجة سبعين كتابًا في هذا الفن. وأن شيخنا قاضي القضاة علاء الدين بن القضامي رحمه الله يقول: وهو إمام هذا العلم: ما أعلم لبيت أبي بكر بن عبدو، في إضمار الركنين ثانيًا، غير بيت الشيخ صفي الدين الحلي ولو لم يفتح ابن عبدون هذا الباب في بيته، ما حصل للشيخ صفي الدين دخول إلى نظم هذا النوع. انتهى.

والكلام على البيتين يأتي بعد تعريف النوع، فالمعنوي المضمر: هو أن يضمر الناظم ركني التجنيس، ويأتي في الظاهر بما يرادف المضمر للدلالة عليه، فإن تعذر المرادف أتى بلفظ فيه كناية لطيفة تدل على المضمر بالمعنى، كقول أبي بكر بن عبدون المشار إليه، وقد اصطبح بخمرة ترك بعضها إلى الليل فصارحت خلا:

ألا في سبيل اللهو كأس مدامة ... أتتنا بطعم عهده غير ثابت١

حكت بنت بسطام بن قيس صبيحة ... وأمست كجسم الشنفرى بعد ثابت

فبنت يسطام بن قيس كان اسمها الصهباء، والشنفرى قال:

اسقنيها يا سواد بن عمرو ... إن جسمي من بعد حالي لخل

والخل هو الرقيق المهزول، فظهر من كناية اللفظ الظاهر جناسان مضمران في صهباء وصهباء، وخل وخل، وهما في صدر البيت وعجزه، ومن هنا أخذ الشيخ صفي الدين الحلي وقال:

وكل لحظ أتى باسم ابن ذي يزن ... في فتكه بالمعنى أو أبي هرم٢

فابن ذي يزن اسمه سيف، وأبو هرم اسمه سنان، فظهر له جناسان مضمران من كنايات الألفاظ الظاهرة، فظهر قول شيخنا، فاقضي القضاة علاء الدين: إن هذا الباب ما فتحه، للشيخ صفي الدين، غير ابن عبدون، وكنت أود أن يكون شيخنا رحمه الله حيًّا ويراني قد عززتهما بثالث وهو:

أبا معاذ أخا الخنساء كنت لهم ... يا معنويّ فهدّوني بجورهم

أبو معاذ اسمه جبل، وأخو الخنساء اسمه صخر، فظهر له من كنايات الألفاظ


١ عهده: وعده والمعنى لا يثبت على طعم معهود، معروف.
٢ فتكه بالمعنى: شدة ضروره بالمغرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>