للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"وقد عنَّ لي" أن أختم ما تقدم لي من الأمثلة في حسن الخواتم، بختام كتاب المسك من أقل عبيده، ويود منثور الدر أن ينتظم في سلك عقوده، وذلك أني كتبت للمقر المرحومي الفتحي، فتح الله صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، كان على لسان قاضي القضاة شرف الدين مسعود الشافعي وأعيان طرابلس المحروسة، وقد وصلوا إلى الديار المصرية في البحر قسرًا، مما عاينوه من أهوال تلك المحنة المشهورة، التي قدرها الله تعالى على طرابلس المحروسة. وحسن الختام في القصة المذكورة قولي: والقوم يا نظام الملك قد دهمهم من لم يفرق بين التحليل والتحريم، إلى أن صرحوا بالطلاق، ووقعوا في التغابن، وشمت المنافقون، ومنعوا في الجمعة الصف، ومست فرقتهم الممتحنة في الحشر، ولم يسمع لهم مجادلة، لما فزعوا بالحديد في هذه الواقعة، ولكن منّ الرحمن، وطلع قمر الأمن، ولاحظهم نجم السعد وصعدوا طور النجاة، وكفكفوا ذاريات الدموع، وطردت عنهم العداة إلى قاف، لما دخلوا حجرات مصر، وحظوا من مولانا السلطان بعد سد المذاهب بالفتح١.

"قلت": هذا الختام جعلته خاتمة للأمثلة المنثورة في هذا الباب. وأما الأمثلة الشعرية، فمن المجيدين فيها أبو نواس، حيث قال في خاتمة قصيدة مدح بها الخصيب:

وإني جدير إذ بلغتك بالمنى ... وأنت بما أملت منك جدير

فإن تولني منك الجميل فأهله ... وإلا فإني عاذر وشكور

ومنه قول أبي تمام معتذرًا في آخر قصيدة:

فإن يك ذنب عنَّ أو تكُ هفوة ... على خطإٍ مني فعذري على عمد١

ومنه قول أبي الطيب، في ختام قصيدة:

فلا حطت لك الهيجاء سَرْجًا ... ولا ذاقت لك الدنيا فراقا٢

وقال أبو العلاء، من ختام قصيدة:

ولا تزال بك الدنيا ممتعة ... بالآل والحال والعلياء والعمر٣


١ عنَّ: ظهر وبان.
٢ السرج: البردعة توضع على ظهر الحصان ليركب.
٣ الآل: الأهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>