زعموا «٤» أن لقمان بن عاد جاور حيا من العمالقة، وهم عرب، فملأ عسا له لبنا، ثم قال لجارية له: انطلقي بهذا العس إلى سيّد هذا الحيّ فأعطيه إياه وإياك أن تسألي عن اسمه واسم أبيه، فانطلقت حتى أتتهم، فإذا هم بين لاعب وعامل في ضيعته ومقبل على أمره، حتى مرّت بثمانية نفر منهم، عليهم وقار وسكينة، ولهم هيئة، فقامت تتفرّس فيهم أيهم تعطي العسّ، فمرت بها أمة، فقالت لها جارية لقمان: أن مولاي أرسلني إلى سيد هذا الحيّ بهذا العسّ، ونهاني أن أسأل عن اسمه واسم أبيه، فقالت لها الأمة: إني واصفتهم لك فخذي أيهم شئت أو ذري، وفيهم سيد الحيّ، فقالت الأمة: أما هذا فبيض مرض مرضة وقد أسنت القوم فعدل مرضه عندهم إسناتهم، وقد كانوا يريدون المسير فأقاموا عليه فأوسع الحيّ دقيقا نفيضا، ولحما غريضا، ومسكا رفيضا، وكساهم ثيابا بيضا. وأما هذا فحممة: غداؤه في كل يوم بكرة سنمة، وبقرة شحمة، ونعجة كدمة؛ وأما هذا فطفيل: ليس في أهله بالمسرف النثر، ولا البخيل الحصر، ولا يمنع الحيّ من خير إن أتمروا. وأما هذا فذفافة: طرق الحي حشا من الليل، وولدان الحيّ يتحدثون عنده، فقام مشتملا، وسنان ثملا إلى جذعان الإبل، وهو يحسبها جندلا فقذفها إليهم قذفا لأولها زحيف، ولآخرها حفيف، ولأعناقها على أوساطها قصيف.
وأما هذا فمالك: أولنا إذا دعينا، وحامينا إذا غزينا، ومطعم أولادنا إذا شتونا، ومفرج كل كربة إذا أعيت علينا. وأما هذا فثميل:
غضبه حين يغضب ويل، وخيره حين يرضى سيل، في أهله عبد، وفي الجيش قيد، ولم تحمل أكرم منه على ظهورها إبل ولا خيل، وأما هذا ففرزعة إن لقي جائعا أشبعه، وإن لقي قرنا جعجعة- أي رمى به إلى الأرض- وقد خاب جيش لا يغزو معه. وأما هذا فعمار: صوات جآر، لا تخمد له نار، للمطيّ عقار، أخاذ ووذار.