للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويشرب حتى تخرر المحض قلبه ... وإن أعطه أترك لقلبي مجثما «١»

فلما قال ذلك قال له عبد عمرو «٢» : ما قال لك شر مما قال لي ثم أنشده قوله طرفة:

وليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثا حول قبتنا تخور

قال عمرو: وما أصدقك عليه- وقد صدقه، ولكنّ عمرا خاف أن ينذره وتدركه له الرحم- فمكث غير كثير ثم دعا المتلمس وطرفة فقال: لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما، وسرّكما أن تنصرفا، قالا: نعم، فكتب لهما إلى عامله على هجر أن يقتلهما، وأخبرهما أنه قد كتب لهما بحباء ومعروف، فأعطى كلّ واحد منهما صحيفة، فخرجا وكان المتلمس قد أسنّ فمر بنهر الحيرة على غلمان يلعبون فقال المتلمس: هل لك أن ننظر في كتابنا فإن كان خيرا مضينا له، وإن كان شرا القيناه، فأبى عليه طرفة، فأعطى المتلمس كتابه بعض الغلمان فقرأه عليه فإذا فيه السوؤة، فألقى كتابه في الماء وقال لطرفة: اطعني وألق كتابك، فأبى طرفة ومضى بكتابه حتى أتى به عامله فقتله، ومضى المتلمس حتى لحق بملوك جفنة بالشأم، فقال في ذلك المتلمس «٣» :

من مبلغ الشعراء عن أخويهم ... نبأ فتصدقهم بذاك الأنفس

أودى الذي علق الصحيفة منهما ... ونجا حذار حبائه المتلمس

أبقى صحيفته ونجّت رحله ... عنس مداخلة الفقارة عرمس «٤»

القصيدة كلها، وهي أبيات. فقيل:

«صحيفة المتلمس» «٥» .

[١٨٠- كيف أعاودك وهذا أثر فأسك.]

زعموا أن أخوين كانا فيما مضى في إبل لهما فأجدبت بلادهما، وكان قريبا منهما واد فيه حية «٦» قد حمته من كل أحد، فقال أحدهما للآخر: يا فلان لو أني أتيت هذا الوادي الملكيء فرعيت فيه إبلي وأصحلتها، فقال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أن أحدا لم يهبط

<<  <   >  >>