ترتيبا تاريخيا، غير أنه سارع إلى القول في الفصل الذي عقده بعنوان:«العصر الذي نشأت فيه الأمثال» عن كتابه «أمثال العرب» فقال: « ... لأن مثلا كهذا، لم يقل- كما هو واضح- قبل هذه الحادثة، كما أنه لم يستعمل بعدها زمنا طويلا. ولكن من يجرؤ على تحديد الزمن، الذي انتشر فيه هذا المثل»«١» .
وهناك من يشير إلى أن تكون مثل هذه الأمثال التاريخيّة مخترعة اختراعا، فنسجت خيوطها على ضوء هذه الأمثال، تماما كما ترتبط القصص التبريرية، ببعض أبيات الشعر العربي. وهي إشارة واضحة إلى إمكانية أن تكون هذه الوقائع التاريخية التي تحكيها هذه القصص المتصلة بالأمثال، وقائع حقيقية، أو وقائع مزيفة. وقد شكّ أكثر من باحث من المستشرقين بصحة نسبة هذه الأمثال إلى تاريخ العرب قبل الإسلام، وقالوا إنما هي دونت مع الشعر في العصر العباسي «٢» ، بعد ما كانت قد جمعت في العصر الأموي.
فالأمثال وحكاياتها، كانت تشكل جزءا مهما من أدب المسامرة عند العرب في العصر الأموي. هذا الأدب الذي كان يتكوّن من أقاصيص القرآن الكريم والكتاب المقدّس وحكايات جنوبي الجزيرة العربية وأخبار السيرة النبويّة الشريفة والفتوحات الأولى وأيام العرب.
ولم يكن أدب المسامرة ولا الأمثال وحكاياتها أو الأيام وأخبارها، من صنع الخيال الشعبي، أو من صنع أعراب البادية، بل كان رواتها رجالا مشهورين مثل غسان بن ذهيل السليطي ومحمد بن كعب القرظي ودغفل وعبيد بن شرية، الذين كانوا يشكلون همزة الوصل بين أسماء البدو القدماء وأندية البلاطات الأموية.
وقد ذكر أن عبيد بن شرية الجرهمي حضر من الرقة إلى دمشق ليقص على الخليفة معاوية تاريخ العرب وقصص الأولين. وقد وضع كتابا في الأمثال ذكره كل من ابن النديم «٣» وياقوت الحموي «٤» .