للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو عبد الله بن عياش «١» :

ولما حللنا عرى السفر، بأن حللنا حمى المهدية، تفاءلنا بأن تكون لمن ألم بساحتها هديّة، فأحدقنا بها إحداق الهدب بالعين، وأطرنا لمختلس وصالها فى البحر غربان البين، فبات بليلة نابغيّة، وصابح يوما صافحته فيه يد البلية، ولما اجتلينا منها عروسا قد مدّ بين يديها بساط الماء، وتوجت بالهلال، وفرّطت بالثريا، ووشحت بنجوم السماء، خطبناها فأرادت التنبيه على قدرها، والتوفير فى إغلاء مهرها، فتمنعت تمنع المقصورات فى الخيام، وأطالت إعمال العامل فى خدمتها والحسام، إلى أن تحققت عظم موقعها فى النفوس، ورأت كثر ما ألقى عليها من نثار الرءوس، فجنحت إلى الأحضان بعد النشوز، ورأت أن اللجاج فى الامتناع عن قبول الاحسان لا يجوز، فأمكنت زمامها من يد خاطبها بعد مطاولة خطبها وخطابها.

أبو زيد الفازازى «٢» : من اخوانياته

إذا غاب أهل الصدق عنك فإنما ... تغيب بهم عنك المسرة والأنس

علم الله أيها الصديق الشفيق، والأخ الذى فضله الاختبار على كل أخ شقيق، أنى منذ طلعت الشمس ذلك اليوم الذى حان فيه غروبك عن ناظرى، ما ولجت بشرى بسمعى، ولا خطر سرور بخاطرى، وما علمت قدر ما معى، حتى جزى القدر السابق بما جرى بعدك من أدمعى، ورجعت إلى المنزل بقلب غير راجع، وتلقيت المنام لأسكن بطرف غير هاجع، وكلما فتشت فى فكرى لك ذنبا، أجعله للسلو أو عيبا، أركن به إلى الراحة والهدوء، وقال الاختبار لا سبيل إلى ذلك، وجعل يعرض علىّ من حسناتك ماجلا به ظلام الليل الحالك، ولولا أنى رجعت إلى جميل الصبر بعد الذهاب، وعللت الروح التى راح سرها معك بقرب الإياب، لأمسيت أثرا بعد عين، ولكنت أحد من قتله يوم البين.