للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا عزم لم تردّ عزماته، فلما ولى المهدى أمّره على القضاء. قال العباس: فقلت له:

إن المهدى ألين عريكة من الماضى. فقال: أما الان فلا أخشى شماتة الأعداء. ثم إن المهدى عزله. فقام إليه رجل؛ فقال: الحمد لله الذى عزلك، فقد كنت تطيل النشوة، وتقبل الرشوة، وتوطئ العشوة. فقام إليه رجل فخنقه، فجعل يصيح:

قتلنى يا أبا عبد الله فقال: لقد ذلّ من ليس له سفيه.

ابن أبى ليلى «١» قد قيل فيه أيضا أنه أول من ولى القضاء ببغداد، وأن المنصور أحضره ليوليه ذلك، فامتنع إلى أن أكل عنده من طعام يليق بالملوك. فلما خرج قال المنصور للربيع حاجبه: لقد أكل الشيخ عندنا أكلة، ما أراه يفلح بعدها أبدا، فلما كان عشىّ ذلك اليوم راح ابن ليلى إلى المنصور فقال: يا أمير المؤمنين: إنى فكرت فيما عرضته علىّ من الحكم بين المسلمين، فرأيت أنه لا يسعنى خلافك فقال المنصور: خار الله لنا ولك، وولاه القضاء. ثم قال للربيع: كيف رأيت حدسى فى الشيخ.

سوّار بن عبد الله «٢» : قاضى البصرة دخل على المنصور والمصحف فى حجره، فوعظه فبكى، وقال: يا ليتنى متّ قبل هذا. ثم قال: يا سوّار، إنى أعانى نفسى منذ وليت أمور المسلمين على حمل الدّرة على عنقى والمشى فى الأسواق على قدمى، وأن أسدّ بالجريش من الطعام جوعى، وأوارى بالخشن من الثياب عورتى، وأضع قدر من أراد الدنيا، وأرفع قدر من أراد الآخرة، قلم تطعنى ونفرت نفورا شديدا. فقال: لا تجشّمها يا أمير المؤمنين مالا تطيق. وألزمها أربع خصال تسلم إلى آخرتك ودنياك: أقم الحدود بالعدل، واجب الأموال من وجوهها، وأقسمها بالحق على أهلها.