للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو الوليد بن زيدون: «١» له رسالة خاطب بها ابن جهور من معتقله:

إن سلبتنى أعزك الله لباس إنعامك، وعطلتنى من حلى إيناسك، وغضضت عنى طرف عنايتك، بعد أن نظر الأعمى إلى تأميلى لك، وسمع الأصم ثنائى عليك، وأحس الجماد باستنادى إليك فقد يغص بالماء شاربه، ويفتك الدواء بالمستشفى به، ويؤتى الحذر من مأمنه، وإنى لأتجلد فأقول هل أنا إلا يد أدماها سوارها، وجبين عضّ به إكليله، ومشرفى ألصقه بالأرض صاقله، وسمهرى عرضه على النار مثقفه، والعتب محمود عواقبه، والنبوة غمرة ثم تنجلى، والنكبة سحابة صيف عن قريب تنقشع، وليت شعرى ما الذنب الذى أذنبت ولم يسعه العفو، ولا أخلو من أن أكون بريئا فأين العدل، أو مسيئا فأين الفضل، وما أرانى إلا لو أمرت لآدم بالسجود فأبيت، وعكفت على العجل واعتديت فى السبت لكان فيما جرى على ما يحتمل أن يسمّى نكالا.

أبو عبد الله محمد بن أبى الفضل الخصال «٢» : كتب فى رسالة:

وعذرا إليك- أعزك الله- فإنى كتبته والنوم مغازل، والقر منازل، والريح تلعب بلا سراج، وتصول عليه صولة الحجاج، فطورا تسدده سنانا وتارة تحركه لسانا، وآونة تطويه حبابة، وأخرى تنشره ذؤابة، وتقيمه إبرة لهب، وتعطفه برة ذهب وحمة عقرب، وتقوسه حاجب فتاة ذات غمزات، وتتسلط على سليطه، وتزيله عن خليطه، وتحلقه نجما، وتمده رجما، وتسل روحه من ذباله، وتعيده إلى حاله، وربما نصبته أذن جواد، وسخته حدق جراد، ومشقته خاطف برق، يكف بودق، ولثمت بسناه قنديله، وألقت على أعطافه منديله، فلاحظ منه للعين، ولا هداية فى الطرس لليدين، والليل زنجى الأديم، تبرىّ النجوم، قد جلّلنا ساجه، واغترفتنا أمواجه، فلا مجال للحظة، ولا تقارف إلا بلفظة، والكلب قد صافح خيشومه ذنبه وأنكر البيت وطنبه.