مطلب: مَا يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْمُورث يمْنَع صِحَة دَعْوَى وَارثه لَان مَا يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْمُورث يمْنَع صِحَة دَعْوَى الْوَارِث لقِيَامه مقَامه كَمَا فِي الْحَاوِي الزَّاهدِيّ وَغَيره، فَتَأمل.
ثمَّ إِن مَا فِي الْخُلَاصَة والولجية يدل على أَن البيع غير قيد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الاجنبي وَلَو جارا، بل مُجَرّد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف مَانع من الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا فَائِدَة التَّقْيِيد هِيَ الْفرق بَين الْقَرِيب والاجنبي، فَإِن الْقَرِيب للْبَائِع لَا تسمع دَعْوَاهُ إِذا سكت عِنْد البيع، بِخِلَاف الاجنبي، فَإِنَّهُ لَا تسمع إِذا اطلع على تصرف المُشْتَرِي وَسكت فالمانع لدعواه هُوَ السُّكُوت عِنْد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لَا السُّكُوت عِنْد البيع، فلاجل الْفرق بَينهمَا صوروا الْمَسْأَلَة بِالْبيعِ، وَوجه الْفرق بَينهمَا مَعَ تَمام بَيَان هَذِه الْمَسْأَلَة مُحَرر فِي حواشينا رد الْمُحْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار.
ثمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى المرحوم الْعَلامَة الْغَزِّي صَاحب التَّنْوِير مَا يُؤَيّد ذَلِك، وَنَصه: سُئِلَ عَن رجل لَهُ بَيت فِي دَار يسكنهُ مُدَّة تزيد على ثَلَاث سنوات وَله جَار بجانبه، وَالرجل الْمَذْكُور يتَصَرَّف فِي الْبَيْت الْمَزْبُور هدما وَعمارَة مَعَ اطلَاع جَاره على تصرفه فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة، فَهَل إِذا ادّعى الْبَيْت أَو بعضه بَعْدَمَا ذكر من تصرف الرجل الْمَذْكُور فِي الْبَيْت هدما وَبِنَاء فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة تسمع دَعْوَاهُ أم لَا؟ أجَاب: لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى إِ هـ.
فَانْظُر كَيفَ أفتى بِمَنْع سماعهَا من غير الْقَرِيب بِمُجَرَّد التَّصَرُّف مَعَ عدم سبق البيع، وَبِدُون مُضِيّ خمس عشرَة سنة أَو أَكثر.
ثمَّ اعْلَم أَن عدم سَماع الدَّعْوَى بعد مُضِيّ ثَلَاثِينَ سنة أَو بعد الِاطِّلَاع على التَّصَرُّف لَيْسَ مَبْنِيا على بطلَان الْحق فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد منع للقضاة عَن سَماع الدَّعْوَى مَعَ بَقَاء الْحق لصَاحبه، حَتَّى
لَو أقرّ بِهِ الْخصم يلْزمه، وَلَو كَانَ ذَلِك حكما بِبُطْلَانِهِ لم يلْزمه وَيدل على مَا قُلْنَاهُ تَعْلِيلهم للْمَنْع بِقطع التزوير والحيل كَمَا مر فَلَا يرد مَا فِي قَضَاء الاشباه مِنْ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، ثمَّ رَأَيْت التَّصْرِيح بِمَا نَقَلْنَاهُ فِي الْبَحْر قبيل قُضَاته دفع الدَّعْوَى، وَلَيْسَ أَيْضا مَبْنِيا على الْمَنْع السلطاني حَيْثُ منع السُّلْطَان عز نَصره قُضَاته من سَماع الدَّعْوَى بعض خمس عشرَة سنة فِي الاملاك وَثَلَاثِينَ سنة فِي الاوقاف، بل هُوَ حكم اجتهادي نَص عَلَيْهِ الْفُقَهَاء كَمَا رَأَيْت، فاغتنم تَحْرِير هَذِه الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنعم الْوَهَّاب إِ هـ.
أَقُول: وعَلى هَذَا لَو ادّعى على آخر دَارا مثلا وَكَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ متصرفا فِيهَا هدما وَبِنَاء أَو مُدَّة ثَلَاثِينَ سنة، وَسَوَاء فِيهِ الْوَقْف وَالْملك وَلَو بِلَا نهي سلطاني، أَو خمس عشرَة سنة وَلَو بِلَا هدم وَبِنَاء فيهمَا، وَالْمُدَّعى مطلع على التَّصَرُّف فِي الصُّور الثَّلَاث مشَاهد لَهُ فِي بَلْدَة وَاحِدَة، وَلم يدع وَلم يمنعهُ من الدَّعْوَى مَانع شَرْعِي لَا تسمع دَعْوَاهُ عَلَيْهِ.
أما الاول: فاطلاعه على تصرفه هدما وَبِنَاء وسكوته، وَهُوَ مَانع من الدَّعْوَى كَمَا عرفت.
وَأما الثَّانِي: فلتركه الدَّعْوَى للمدة المزبورة وسكوته، وَهُوَ دَلِيل على عدم الْحق لَهُ، ولان صِحَة الدَّعْوَى شَرط لصِحَّة الْقَضَاء وَالْمَنْع مِنْهُ حكم اجتهادي كَمَا علمت.
وَأما الثَّالِث: فللمنع من السُّلْطَان نَصره الرَّحْمَن قُضَاته فِي سَائِر ممالكه عَن سماعهَا بعد خمس عشرَة سنة إِذا كَانَ تَركهَا لغير عذر شَرْعِي فِي الْملك لَا لكَون التقادم يبطل الْحق بِدَلِيل أَن الْحق بَاقٍ، وَيلْزمهُ لَو أقرّ بِهِ فِي مجْلِس القَاضِي، فَلَو قَالَ: لَا أسلمها لمضي هَذِه الْمدَّة مَعَ عدم دَعْوَاهُ عَليّ وَهُوَ مَانع مِنْهَا لَا يلْتَفت إِلَى تعلله وتنزع من يَده، فَلَو ادّعى أَن الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ لي بهَا فِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة وَهُوَ يُنكره