ثانيًا: منهجي في تحقيق الكتاب، والعِلَّة مِن إعادة تحقيقه.
إن الأساس الذي ينبغي أن يكون واضحًا لكل مُشتَغِل بالتحقيق: هو أن عَمَله يُشْبهُ في المَقَام الأول عَملَ الورَّاقِين والنُّسَّاخ، والذي كان قاصرًا على نَسْخ ما أُسْنِد إليهم نَسْخُه، إلى أقرب صورة للأصل الذي ينسخون منه، بل كانوا يُطَابقون ما نسخوه على الأصل؛ لاستدراك ما فاتهم ونَدَّ عنهم أثناء النسخ، وأَيُّ تَدَخُّلٍ منهم، بالحذف أو الزيادة أو التغيير، يُعد تدخلًا قبيحًا، وعملًا مستبشعًا؛ إذ ذلك ينافي الأمانة التي ينبغي أن يتحلى بها الوراق.
حتى إنهم وضعوا علامات واصطلحوا على إشارات تجنبهم التدخل في الأصل الذي ينسخون منه، وتمكنهم من التنبيه على ما يظنونه خطأً، ومثال ذلك: اصطلاحهم على علامة التَّضْبِيب، وهي رسم حرف «صـ» ممدودة هكذا فوق الكلمة التي يظنون فسادها؛ لعدم جرأتهم على تغييرها إلى ما يظنون صوابَه.
آثرت أن أذكر هذا الكلام هنا في هذا المقام، لأن كثيرًا ممن يعالجون التحقيق قد نَصَبُوا أنفسهم وُصَاة على التراث، فيحق لهم تغيير ما يرونه خطأ، وزيادة ما يحسبونه حسنًا، وحذف ما يظنونه قبيحًا.
ولَيْتهم سطَّروا ذلك في حواشي الكتاب، ففي الحاشية متسع لكل رأي، لكنهم -وللأسف- جعلوا استحسانهم واستقباحهم في صلب الكتاب، فأساءوا من حيث أرادوا أن يصلحوا.
والذي حداني لكتابة هذه الأسطر: هو كلمة الختام التي خَتَم بها فضيلة