قال الشافعي - رحمه الله -: «ولَمَّا فَرضَ اللهُ - عز وجل - الجِهَاد، على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ... -جهاد المشركين- بَعد إِذْ كان أَباحَه، وأَثْخَن رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في أهل مكة، ورَأَوْا كَثْرَة مَن دَخَل في دِين الله - عز وجل - = اشْتَدُّوا على مَن أَسْلَم منهُم، فَفَتَنُوهم عن دينهم، أو من فَتنُوا مِنهُم، فعذر اللهُ - عز وجل - مَن لَم يَقْدِر عَلى الهِجْرَة مِن المَفْتُونِين، فقال:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}[النحل: ١٠٦].
وبعث إليهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ اللهَ - عز وجل - جَاعِلٌ لكُم مَخْرجًا، ففَرَض ... -على مَن قَدر عَلى الهجرة- الخُروجَ؛ إذ كان مِمَّن يُفتَن (١) عن دِينه، ولا يُمْنَع، فقال في رَجُل منهم تُوفِّي -تَخَلَّف عن الهِجرة فَلم يُهاجِر-: {الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}[النساء: ٩٧]. الآية.
وَدَّلت سُنةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - على أنَّ فَرضَ الهِجرة -على مَن أَطَاقها- إنَّما هو عَلى مَن فُتِن عن دِينِه، بالبَلْدة التي يُسْلِم بها؛ لأن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَذِن لِقَومٍ بمكَة أن يُقِيمُوا بها بعد إسلامهم، منهم: العَبَّاسُ بنُ عبد المُطَّلب، وغيرُه؛ إذ