للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبمصر الزرافة وليست إلا بمصر وبمصر الكركدن (١) وبها عتاق الخيل، وبها البقرة الخيسية (٢) مؤبدة للحلاب، ولا تعرف الحرث، ويعمل من حلابها جبن الخيش والأقراص والملعب (٣) تحمل إلى سائر الآفاق.

وبمصر الحطب السنط، الذي لا رماد له، ولا يعرف حطب أدوم وقوداً منه ولا أجف وذكر عمرو بن بحر الجاحظ أنه من عجائب مصر، وله منابت وغابات إذا دخلتها عساكر العرب وأهل الفساد، لم يقدر عليهم.

وبها الفحم الجافي من السنط، وبها الفراريج الزبلية، لا تكون إلا بمصر، يباع منها في كل سنة بخراج إقليم كبير وهي من أقوات مصر.

وقال بعض حكماء مصر: نحن أكثر الناس قنداً، وشهداً، وعبداً وخيلاً وبغالاً وحميراً، ونفراً. وعتيق الخيل بمصر ليس لأحد مثلها.

ويجتمع بمصر ما يتفرق في الأزمنة في [غيرها (٤)] فتجتمع فيها ثمار الشتاء مع ثمار الصيف، والرطب القديم مع الرطب الجديد، والنرجس مع الورد، وهو من أعجب ما يذكر، وما يقطعه الحر يوجد فيها في الحر، وما يقطعه البرد يوجد في البرد لاعتدال حرها وبردها، لأنها من الإقليم الثالث والرابع، فهي سالمة من حرّ الأول والثاني ومن برد السادس والسابع. وكانت العلماء تقول: من دخل مصر فلم يستغن لا أغناه الله.

وقال الرشيد: مصر موروثة عن يوسف عليه السلام.

وقال أبو جعفر المتوكل لسليمان بن وهب وقد ولاه خراج مصر: انظر يا سليمان بين يديك فإن مصر سلة الخبز. وقالت العلماء: مصر المشبعة وقالوا: من شرب من النيل بطينه، وركب البراذين لم تنله علة.


(١) الكركدّن: حيوان ثديىّ من ذوات الحوافر، وهو هندى وإفريقى.
(٢) الخيسية: نسبة إلى بلدة خيس من كور الحوف الغربى بمصر التى اشتهرت فيما يبدو بنوع خاص من البقر. راجع ياقوت، مادة: خيس.
(٣) كذا فى الأصلين، ومثله لدى ابن ظهيرة ص ١٣٥ وهو ينقل عن ابن زولاق.
(٤) من الفضائل الباهرة ص ١٣٥