للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس في الدنيا نهر تجري فيه السفن أكثر من نيل مصر، ويحمل المركب الواحد ما يحمله خمسمائة بعير وأكثر.

وقالت الحكماء في مصر: إنها تغني في الصيف عن الخيش والثلج وبطون الأرض، وفي الشتاء عن الوقود والفراء، وجعل شتاؤها ربيعاً، وصيفها قيظاً، كل ما تعده الملوك لغير مصر، فهي مستغنية عنه كالمُرَمَّلات (١) في الصيف، والخيش، والثلج، والكافور، والصندل، و [ما يتخذ] (٢) في الطرق والأسواق في سائر البلاد سواها التي لا يقدر ساكنوها على التصرف في بردها ولا حرها، ومصر كما قال الشاعر:

وكالفصل (٣) … تغدو الريح فيه مريضة

فلا حره حر ولا برده برد

وقالوا: هي كالفصل اعتدالاً، وكالعُرُوات في نيسان طيباً، وغير محتاجة إلى استعمال المرتك (٤) في الصيف، كفعل أهل البصرة من حكها، ومعافاة من رمد أهل الكوفة [وركود هواء بغداد] (٥) ومن برد الجبل كأرمينية وبلدان خراسان، والجزيرة التي يقيم ساكنوها الشهر وأكثر لا يظهرون، ومن لم يعد قوته (٦) هلك.

ومصر معافاة من ميازيب الشام وتواتر السحب، وفي الشتاء من الحمرة والصفرة، والآيات (٧) الهائلة التي تنغص العيش، وتبلي الجسم، ولا يهنأ طعام ولا شراب.

وقال بعض الحكماء: عوفيت مصر من مشاتي الجبال، ومصايف عُمان،


(١) المرملات: النسج الرقيق.
(٢) من الفضائل الباهرة.
(٣) أى أن جوها يطرد على وتيرة واحدة كأنه فصل واحد.
(٤) الحجر المحرق ويكون من سائر المعادن (الجواليقى: المعرب ص ٣٦٥ حاشية ١،٢).
(٥) من الفضائل الباهرة.
(٦) لدى ابن ظهيرة وهو ينقل عن ابن زولاق «ومن لم يعرفوا به هلك».
(٧) لدى ابن ظهيرة ص ١٣٦ وهو ينقل عن ابن زولاق «والثياب».