للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغلاء العراق، وصواعق تهامة، ودماميل الجزيرة، وجرب اليمن، وطواعين الشام، وطُحَال البحرين، وحمى خيبر، وزلزال شيراز، وعقارب نصيبين، وعسكر مكرم.

وفضلت العلماء مصر على البصرة لعذوبة نيل مصر وشدة حلاوته، وأنه يجري على رمل وطين حر، واختلاط ماء البصرة بالملح، وأنه يجري على السباخ، وقال الشاعر:

بئس البلاد أن يرتب بها الفتى … سباخ وآجام يطيف بها البحر

ومدح الناس مصر وفضلوها على الكوفة لأن نهرها من الفرات، وربما جف حتى يحفروا فيه الآبار، وأن جسر الكوفة سبع سفائن، وجسر مصر جسران، نحو مائة، بينهما جزيرة، وهي مدينة، ولا يكاد يُرى بالكوفة نخل إلا معوجة. وقالوا في مصر كلاماً محفوظاً: جبلها ذهب، ونيلها عجب، ورجالها قصب (١)، ونساؤها لعب، وهي لمن غلب.

وقالوا في أهل الكوفة: أقرأ الناس، والقرآن لا يجاوز تراقيهم، وفي أهل البصرة: نعم وردن معاً، وصدرن شتى، وقالوا في أهل الشام: أطوع الناس لمخلوق، وأعصاهم لخالق، وأجرؤهم على أمر لا يدرون ما هو. وقالوا في أهل الحجاز: أجرؤهم على فتنة، وأعجزهم عنها. وقالوا في أهل الموصل: كنيسة بين قريتين. وقالوا في أهل واسط: منزل بين كنيفين.

وذكروا الحديث المسند أن مصر يساق إليه أقل الناس أعماراً، والبلدان فيها الطوال الأعمار والقصار، وإن طول الأعمار من شرف (٢) خيبر، وحوالي تهامة، ووادي فرغانة، وقد جعل لمصر نصيب من ذلك، فجعل طول الأعمار بمريوط، وقرى الجفار.

وقد ذكرنا لمصر من الفضائل ما أغنى وكفى، ووصفنا الحكماء الذين كانوا بها، وأنها معدن الحكمة التي انتشرت في أيدي الناس، وليس يوجد في الدنيا بلد زينة أهله زينة مصر في أبنيتها ونهرها وإتقان أمرها، وبالله التوفيق.


(١) أى طوال كالقصب.
(٢) وهو ما قبلك من الجبل وعلا من السفح.