للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واغلولب عبابه كانت القرى بما أحاط بها كالربا، لا يتوصل من بعضها إلى بعض إلا في السفائن والمراكب، ولا يلبث إلا قليلاً حتى [يلم] كأول ما بدا من جريه وأول ما طما في درته حتى تستبين فنونها ومتونها (١).

ثم انتشرت فيه أمة محقورة (٢)، قد رزقوا على أرضهم جلداً وقوة، لغيرهم ما يسعون من كدهم بلا حد ينال (٣) ذلك منهم، فيسقون سهل الأرض وخرابها ورواسيها، ثم ألقوا فيه من صنوف الحب ما يرجون التمام من الرب، فلم يلبث إلا قليلاً حتى أشرق ثم أسبل فتراه بمعصفر [ومزعفر] يسقيه من تحته الثرى ومن فوقه الندى، وسحاب منهم بالأرائك مستدر (٤)، ثم في هذا الزمان من زمانها يغني ذبابها (٥)، ويدر حلابها (٦)، ويبدأ في صِرَامِها (٧)، فبينما هي مدرة سوداء إذا هي لجة زرقاء، ثم غوطة خضراء، ثم ديباجة رقشاء، ثم فضة بيضاء، فتبارك الله الفعال لما يشاء. وإن خير ما اعتمدت عليه في ذلك يا أمير المؤمنين، الشكر لله عز وجل على ما أنعم به عليك منها، فأدام الله تعالى لك النعمة والكرامة في جميع أمورك كلها والسلام (٨).

وكان عمر بن الخطاب يكد عمرو بن العاص في مال مصر وبقطها عنده. ويذكر حرص الروم والفرس عليها وازدحامهم فيها ويستقصره في قلة المال وما يعقدها به، فلما أضجره كتب إليه: أرسل من يتسلم عملك.


(١) ابن ظهيرة ص ١١٤ وما بين حاصرتين منه.
(٢) محقورة: ذليلة، لأن الرومان كانوا يحتقرونهم، وبهذا المعنى أيضا قوله: لغيرهم ما يسعون من كدهم.
(٣) لدى ابن ظهيرة ص ١١٥ وهو ينقل عن ابن زولاق «بلا حسد».
(٤) الأرائك: جمع أراكة، وهى شجرة المسواك، ومنهم: سائل. ومستدر: كثير وسائل وجار.
(٥) أى يعظم محصولها.
(٦) الحلاب: اللبن. ويقال درّت حلوبة البلد: كثر خراجهم.
(٧) الصرام: جنى الثمر.
(٨) ذكر ذلك ابن الكندى ص ٤٢، وابن ظهيرة ص ١١٤