لكم، فإذا يبس العود، وسخن العمود، وكثر الذباب [وحمض اللبن] وصوح البقل، وانقطع الورد من الشجر، فَحَيَّ على فسطاطكم على بركة الله، ولا يقدمن أحد منكم ذو عيال على عياله إلا ومعه تحفة لعياله على قدر ما أطاق من سعة أو عسرة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
قال: فحفظت ذلك عنه، قال فقال والدي بعد انصرافنا إلى المنزل، لما حكيت له خطبته، يا بني! إنه يحدو الناس على الرباط كلما انصرفوا، كما حداهم على الريف والدعة. وكان يخطب بها في كل سنة *.
وقال الليث بن سعد: كان عمرو يقول للناس إذا قفلوا، اخرجوا إلى أريافكم فإذا غنى الذباب، وحمض اللبن، ولوي العود فَحَيَّ على فسطاطكم، وكان ربيع أهل مصر مقسوما لكل قبيل ناحية لا يخلطهم سواهم.
وقال عمرو بن فائد: جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص وهو على المنبر: من أمك؟ فقال له وهو يخطب: من أمك أيها الأمير؟ فقال: سلمى ابنة حرمل. تلقب بالنابغة من عنزة أصابتها رماح العرب وبيعت بعكاظ فاشتراها الفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واشتراها عبد الله بن جدعان، وصارت إلى العاص بن وائل فولدت فأنجبت، وإن كانوا جعلوا لك جعلاً على ذلك فخذه، ثم مضى في خطبته.
وسأل بعض الخلفاء الليث بن سعد عن الوقت الذي تطيب فيه مصر، فقال: إذا غاض ماؤها، وارتفع وباؤها، وجف ثراها، وأمكن مرعاها.
ومصر أكثر بلاد الله دنانير وكنوزا وجوهرا، ولقد أخذ عمرو بن العاص من قبطي واحد من قبط مصر دفعة واحدة، [كنزاً] وجده مدفونا في داره [وكان] اثنين وخمسين إردبا دنانير ثم قتله، فلما رأى أهل مصر ذلك أخرجوا الكنوز، وبها كنوز يوسف عليه السلام والملوك من قبله والملوك من بعده، لأنه كان يكنز ما يفضل عن النفقات والمؤن ويدخر لنوائب الدهر، وهو قوله عز وجل: {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ} (١)[سورة الشعراء:٥٧،٥٨]