لم يرسخوا في العلم ولا يعدون من أولي الأمر ولا يصلحون للشورى ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية أو لشبهة أحسن أحوالهم فيها: أن يكونوا فيها بمنزلة المجتهدين من الأئمة والصديقين؟
والاحتجاج بمثل هذه الحجج والجواب عنها معلوم أنه ليس طريقة أهل العلم لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق كثير من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين وقد يبدو لذوي العلم والدين فيها مستند آخر من الأدلة الشرعية والله يعلم أن قوله بها وعلمه لها ليس مستنداً آخر من الأدلة الشرعية وإن كان شبهة وإنما هو مستند إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ولا عن رسوله من أنواع المستندات التي يستند إليها غير أولي العلم والإيمان وإنما يذكر الحجة الشرعية حجة على غيره ودفعاً لما يناظره.
والمجادلة المحمودة: إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل: فنوع من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل. وأيضاً فلا يجوز حمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل بدعة ضلالة) على البدعة التي نهى عنها بخصوصها لأن هذا تعطيل لفائدة هذا الحديث، فإن ما نهى عنه من الكفر والفسوق وأنواع المعاصي قد علم بذلك النهي، أنه قبيح محرم سواء كان بدعة أو لم يكن بدعة، فإذا كان لا منكر في الدين إلا ما نهى عنه بخصوصه سواء كان مفعولاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لم يكن وما نهى عنه فهو منكر سواء كان بدعة أو لم يكن: صار وصف البدعة عديم التأثير، لا يدل وجوده على القبح ولا عدمه على الحسن بل يكون قوله:(كل بدعة ضلالة) بمنزلة قوله: (كل عادة ضلالة) أو: (كل ما عليه العرب والعجم فهو ضلالة) ويراد بذلك: أن ما نهى عنه من ذلك فهو الضلالة.