للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتأول بيان جواز إرادة المعنى الذي حمل الحديث عليه من ذلك الحديث ثم بيان الدليل الصارف له إلى ذلك. وهذه الوجوه تمنع جواز إرادة هذا المعنى بالحديث.

فهذا الجواب عن مقامهم الأول.

وأما مقامهم الثاني فيقال: هب أن البدع تنقسم إلى حسن وقبيح فهذا القدر لا يمنع أن يكون هذا الحديث دالاً على قبح الجميع لكن أكثر ما يقال أنه إذا ثبت أن هذا حسن يكون مستثنى من العموم وإلا فالأصل أن كل بدعة ضلالة.

فقد تبين أن الجواب عن كل ما يعارض به من أنه حسن وهو بدعة إما بأنه ليس ببدعة وإما بأنه مخصوص فقد سلمت دلالة الحديث. وهذا الجواب إنما هو عما ثبت حسنه. فأما أمور أخرى قد يظن أنها حسنة وليست بحسنة أو أمور يجوز أن تكون حسنة ويجوز أن لا تكون حسنة فلا تصلح المعارضة بها بل يجاب عنها بالجواب المركب. وهو إن ثبت أن هذا حسن فلا يكون بدعة أو يكون مخصوصاً وإن لم يثبت أنه حسن فهو داخل في العموم. وإذا عرفت أن الجواب عن هذه المعارضة بأحد الجوابين فعلى التقديرين الدلالة من الحديث باقية لا ترد بما ذكروا ولا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكلية وهي قوله: (كل بدعة ضلالة) بسلب عمومها وهو أن يقال: ليست كل بدعة ضلالة فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل] (١).

٤. ويضاف إلى ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية أن قول الرسول

- صلى الله عليه وسلم -: (كل بدعة ضلالة) كلية عامة شاملة مسوَّرة بأقوى أدوات الشمول والعموم " كل " والذي نطق بهذه الكلية وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم مدلول هذا اللفظ وهو أفصح الخلق وأنصح الخلق للخلق لا يتلفظ إلا بشيء يقصد معناه (٢).


(١) اقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٧٠ - ٢٧٤.
(٢) الإبداع في كمال الشرع ص ١٨.

<<  <   >  >>