قوله تعالى:(مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)(المائدة: ٣٢) ، بين الله في هذه الآية أن من قتل نفساً بغير نفسه أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً؛ لأن حرمة المسلمين واحدة، ومن انتهك حرمة شخص من المسلمين، فكأنما انتهك حرمة جميع المسلمين، كما أن من كذب رسولاً واحداً من الرسل، فكأنما كذب جميع الرسل. ولهذا أقرأ قوله تعالى:(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ)(الشعراء: ١٠٥) ، مع أنهم لم يكذبوا إلا واحداً، فإنه لم يُبعث رسولٌ قبل نوح، وما بعد نوح لم يدركه قومه، لكن من كذب رسولاً واحداً فكأنما كذّب جميع الرسل، ومن قتل نفساً محرمة، فكأنما قتل الناس جميعاً؛ لأن حرمة المسلمين واحدة، ومن أحياها أي سعى في إحيائها وإنقاذها من هلكة؛ فكأنما أحيا الناس جميعاً.
وإحياؤها وإنقاذها من الهلكة تارة يكوم من هلكة لا قبل للإنسان بها فتكون من الله، مثل أن يشبّ حريق في بيت رجل، فتحاول إنقاذه، فهذا إحياء للنفس.
وأما القسم الثاني فهم ما للإنسان فيه قبلٌ، مثل أن يحاول رجل العدوان على شخص ليقتله، فتحول بينه وبينه وتحميه من القتل، فأنت الآن أحييت نفساً. ومن فعل ذلك فكأنما أحيا الناس جميعاً؛ لأن إحياء شخص مسلم كإحياء جميع الناس.
وقوله عزّ وجلّ:(بِغَيْرِ نَفْسٍ) يستفاد منه أن من قتل نفساً بنفس فهو معذور ولا حرج عليه. قال الله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ