الغالب الذين يلينون للحق وينقادون له، وأما أهل الكبرياء والجبروت؛ ففي الغالب أنهم لا ينقادون.
فقضى الله عز وجل بينهما فقال:((إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء)) وقال للنار: ((إنك النار عذابي أعذب بك من أشاء)) إنك الجنة رحمتي: يعني أنها الدار التي نشأت من رحمة الله، وليست رحمته التي هي صفته؛ لأن رحمته التي هي صفته وصف قائم به، لكن الرحمة هنا مخلوق، أنت رحمتي يعني خلقتك برحمتي، أرحم بك من أشاء.
وقال للنار أنت عذابي أعذب بك من أشاء كقوله تعالى:(يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ)[العنكبوت: ٢١] فأهل الجنة هم أهل رحمة الله ـ نسأل الله أن يجعلني وإياك منهم ـ وأهل النار هم أهل عذاب الله.
ثم قال عز وجل:((ولكليكما عليَّ ملؤها)) تكفل عز وجل وأوجب على نفسه أن يملأ الجنة ويملأ النار، وفضل الله سبحانه وتعالى ورحمته أوسع من غضبه، فإنه إذا كان يوم القيامة ألقى من يلقى في النار، وهي تقول هل من مزيد، يعني أعطوني. أعطوني. زيدوا. فيضع الله عليها رجله، وفي لفظ عليها قدمه، فينزوي بعضها على بعض، ينضم بعضها إلى بعض من أثر وضع الرب عز وجل عليها قدمه، وتقول: قط قط، يعني: كفاية كفاية، وهذا ملؤها.
أما الجنة فإن الجنة واسعة، عرضها السَّمَوَاتِ والأرض يدخلها أهلها ويبقى فيها فضل زائد على أهلها، فينشى الله تعالى لها أقواماً فيدخلهم الجنة بفضله ورحمته؛ لأن الله تكفل لها بملئها.