تبعد عنهم، لا تعد دائماً عنهم عيناك: أي لا تتجاوز عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا. مثلاً إذا كان هناك رجلان؛ أحدهما مقبل على طاعة الله يدعو ربه بالغداة والعشي، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم، ويحسن إلى الناس، وآخر غني كبير عنده أموال وقصور وسيارات وخدم، أيهم أحق أن نصبر أنفسنا معه؟ الأول أحق أن نصبر أنفسنا معه، وأن نجالسه، وأن نخالطه وأن لا نتعداه نريد زينة الحياة الدنيا.
الحياة كلها عرض زائل، وما فيها من النعيم أو من السرور فإنه محفوف بالأحزان والتنكيد، ما من فرح في الدنيا إلا ويتلوه ترح وحزن. قال- أظنه- ابن مسعود رضي الله عنه ما ملئ بيت فرحاً إلا ملئ حزناً وترحاً، وصدق رضي الله عنه: لو لم يكن من ذلك إلا أنهم سيموتون تباعاً واحداً بعد الثاني، كلما مات واحد حزنوا عليه، فتتحول هذه الأفراح والمسرات إلى أحزان وأتراح فالدنيا كلها ليست بشيء.
إذاً لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، بل كن معهم وكن ناصراً لهم، ولا يهمنك ما متعنا به أحداً من الدنيا، وهذا كقوله عز وجل: (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه: ١٣١، ١٣٢] ، أسأل الله أن يحسن لي ولكم العافية، وأن يجعل العاقبة لنا ولإخواننا المسلمين حميدة.