(فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الأنعام ٥٢] ، الفاء هذه التي في (فتكون) تعود على قوله: (فَتَطْرُدَهُمْ) لا على قوله: (مَا عَلَيْك) ، فعندنا هنا في الآية فاءان: الفاء الأولى (فَتَطْرُدَهُمْ) وهذه مرتبة على قوله: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، و (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) مرتبة على قوله: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ) يعني فإن طردتهم فإنك من الظالمين.
ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان ينبغي له أن يكون جليسه من أهل الخير الذين يدعون الله صباحاً ومساءً يريدون وجهه، وألا يهتم بالجلوس مع الأكابر، والأشراف، والأمراء، والوزراء، والحكام؛ بل لا ينبغي أن يجلس إلى هؤلاء إلا أن يكون في ذلك مصلحة، فإذا كان في ذلك مصلحة؛ مثل أن يريد أن يأمرهم بمعروف، أو ينهاهم عن منكر، أو يبين لهم ما خفي عليهم من حال الأمة، فهذا طيب وفيه خير.
أما مجرد الأنس بمجالستهم، ونيل الجاه بأنه جلس مع الأكابر، أو مع الوزراء، أو مع الأمراء، أو مع ولاة الأمور، فهذا غرض لا يحمد عليه العبد، إنما يحمد على الجلوس مع من كان أتقى لله؛ من غني وفقير، وحقير وشريف. فالمدار كله على رضا الله عز وجل، وعلى محبة من أحب الله.
وقد ذاق طعم الإيمان من والى من والاه الله، وعادى من عاداه الله، وأحب في الله، وأبغض في الله، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم كذلك، وأن